بسم الله الرحمن الرحيم
يقع كلامنا في فقه عاشوراء والسبب في اختيارنا هذا الموضوع ما طرحت وما یزال يطرح أيضاً في زماننا من أسألة كثيرة حول هذه القضية من حيث التخريج الفقهي وأنه هل يمكن للفقيه أن يستدل بمواقف منها في الفقه كدليل شرعي على الحكم الشرعي أو أنها قضية خارجة عن إطار الفقه وفيها طابع خاص لا يمكن للفقيه أن يستنبط منها حكماً شرعياً ولكن بما أن قائد هذه القضية والمحور الرئیسی في هذه القضية هو الامام (ع) وقد أثبت علمُ الأصول أن قوله وفعله وتقريره حجة اذا تكون قضية عاشوراء بجميع معالمها ومواقفها قابلة للاستدلال الفقهي لأن في رأسها وفي قيادتها الامام المعصوم كما نستدل بسيرة النبي (ص) في غزواته وحروبه وأقواله وتقاریره وكذا بسيرة أميرالمؤمنين (ع) في حروبه فلهذا يمكن الاستدلال بسيرة الامام الحسين (ع) أي بما صدر منه قولاً أو فعلاً أو تقريراً في واقعة الطّفّ.
اذا من حيث القاعدة الأولية الأصولية لا محذور في الاستدلال الفقهي بقضية عاشوراء من بدايتها حتی النهاية
وبالجملة من حيث المبنى الأصولي يمكن للفقية أن يستدل بها في أبواب فقهية مختلفة ولكن یشترط هذا الاستدلال بشرط مهم جداً وهو أن فعل الامام (ع) أو قوله أو تقريره في واقعة عاشوراء يكون ثابتاً حسب المصادر وليس كلما قيل أو اشتهر يمكن الاستدلال به فقهياً لذلك هذا البحث يستوعب في جانب من جوانبه البحث التأريخي والاهتمام به فكل قضية وردت في إطار واقعة عاشوراء ثبتت تأريخياً ولو بشهرة موجبة للوثوق والاطمئنان بها يمكن الاستناد إليها في الاستدلال الفقهي ومن هنا نطرح المسائل الفقهية التي تدور حول واقعة عاشوراء في ضمن مسائل عديدة.
المسألة الأولى: التي أخذت شوطاً كبيراً من كلمات المؤرخين وكلمات المحققين وبعض الفقهاء، مع الأسف (النظرة الفقهية بالنسبة إلی واقعة عاشوراء ضئيلة في مصادرنا وخصوصاً في كتبنا الفقهية) .
المسألة الأولى التي تطرح في واقعة عاشوراء أن خروج الامام (ع) هل كان واجباً أو مستحباً واذا كان واجباً أو مستحباً فما هو دليله الشرعي أو ما هي أدلته الشرعية ومع الأسف الشديد جاء في كلمات بعض المؤرخين من السنة احتمال ثالث وهو أن خروجه كان حراماً ولم نجد حسب التتبع القاصر احتمالاً رابعاً في وجه هذا الخروج وفي مقام الإجابة عن هذه المسألة وأن خروج الامام كان تابعاً لأيّ واحدة من الأحكام الخمسة ينبغي أن نذكر مقدمة؛ وحاصلها؛ أن قضية عاشوراء تعتبر بعد بعثة النبي (ص) أعظم حادثة وقعت في تأريخ الإسلام وتحير المحللون والمؤرخون في تفسيرها لنكات موجودة فيها لذلك ترى التهافت والتضاد والتناقض بين التفاسير في تحليلها وتحقيقها.
النكتة الأولى: إن الحسين (ع) هو حفيد النبي (صلّى الله عليه وآله) وكان المسلمون بأجمعهم العوام والخواص كان يعلمون بمنزلته وقربه إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ولكنهم لم يتفاعلوا مع هذه القضية خصوصاً أهل مكة والمدينة وكان فيهما من صحابة النبي (صلّى الله عليه وآله) و من رأى بأم عينيه حب النبي (ص) للحسين (ع) فسكوتهم وعدم تفاعلهم في هذه القضية مع الحسين (ع) أوجب استغراب كثير من المؤرخين فمن جانب رأوا هذا السكوت والموقف السلبي من قضية عاشوراء ومن جانب آخر قتل الحسين (ع) وأصحابه وسبي أهله.
النكتة الثانية: إن هذه قضية عاشوراء ليست مجرد واقعة تأريخية فحسب بل فيها حقائق كثيرة وجوانب متعددة تحير العقل البشري في فهمه جميع زواياها وأبعادها.
النكتة الثالثة: إن معظم المؤرخين من السنة لم ينظروا إليها نظرة صافية وإما نظروا إليها إما بنظرة فقهية كان يحملوها مسبقاً أو بنظرة عقائدية كان يعتقد بها أو بنظرة سياسية أو حفاظاً على مصلحة وسياسة الخلفاء في زمانه ففسروا واقعة عاشوراء من خلال هذه الوجوه كما أن بعض الكُتاب من الخاصة قاموا بتفسیر وتحلیل هذه القضية من دون ملاحظة مكانة الامام (ع) كـإمام معصوم مفترض الطاعة جهلاً بشخصية الامام (ع) وقد نجد نكات أخرى بالتحقيق أوجبه التعقيد أكثر في تفسير هذه الواقعه عند المؤرخين فمن خلال هذه المقدمة ينبغي أن نتطرق للنظريات المشهورة بين العامة والخاصة حول الدواعي والعلل أو العناصر التي أوجبت خروج الامام الحسين (ع) في وجه الطاغية يزيد بن معاوية وحسب التتبع توجد سبعة نظريات جمعت بين المصادر العامة والمصادر الخاصة وأحياناً بعض النظريات مشتركة يعني من العامة من يؤمن بها وکذا من الخاصة من يؤمن بها.
النظرية الأولى: وهي من النظريات المشهورة عند العامة وتعتبر تأريخياً أسبق النظريات وكانت مطروحة في زمن الامام (ع) وقبل خروجه وهي أن الامام (ع) خرج طلباً للحكومة والإمارة وقد تفوه بهذه النظرية جملة من الشخصيات الإسلامية آنذاك في مكة والمدينة من جملتهم عبد الله بن عمر حيث إن المنقول عنه في التأريخ؛ إن القوم ويشير به إلى بني أمية لا يعطون ما عندهم أعني الحكم والرئاسة فلا تخرج إلى الكوفة.
وأيضاً من جملة ممن نصح الامام (ع) في ذلك وكان يعتقد أن الامام طالب الحكم والرئاسة كلمات عبد الله بن مطيع ولكن ظاهر كلامه أنه ناصح أمين ولكن واقع كلامه أنه يرى الحسين (ع) يريد من خروجه الحكم فقد ذكره؛ بالله عليك لا تخرج فإن خروجك يهتك حرمة الاسلام ويهتك حرمة رسول الله ويهتك حرمة العرب وإن الذي في يد بنی أمية لا تطلبه فأنهم لو قتلوك لا يهابون من بعدك قتل أحد.
مع الأسف الشديد أن هذه النظرية اختارها جمع من شخصيات السنة والعامة بعد استشهاد الامام (ع) وبعد حدوث الواقعة فمنهم قاضي أبو بكر بن عربي الأندلسي المالكي المتوفى سنة 543 في كتابه المعروف العواصب من القواسم حاصل ما ذكره بعد ما يمجد بشخصية الامام؛ بأنه كان كبير هذه الأمة وابن أشرفها وأکبرها أي رسول الله (ص) لو كان يشتغل بالزراعة والمواشي وكان يرد دعوة الناس لكان أفضل من خروجه خصوصاً أن الحسين (ع) كان يعلم بحديث النبي في حق أخيه الحسن وأنه يصلح الله به الفتنة بين المسلمين مع أن أخاه الحسن كان صاحب جيش في الكوفة وترك الإمارة والحكم ثم يقول ابن العربي مع العلم أن أهل الكوفة أهل الغدر والخيانة وكيف يبنى الحكم اعتماداً عليهم.
الكلمة الثانية لابن تيمية مؤسس الوهابية المتوفى سنة 728 حاصل كلامه أنه لا أرى جواز خروج الحسين (ع) وأن خروجه ما كان جائزاً لأنه في خروجه كانت المفسدة أكثر من المصلحة ثم يترقى ويقول بل لا توجد مصلحة في خروجه دنيوياً وأخروياً لأن قيامه لم يكن منتجاً للخير ولا لدفع الشر بل بقيامه ضاع الخير وازداد الشر بل كان قيامه سبباً للفتن في الأمة الإسلامية.
وفي مقطع آخر يقول: أنه لا ريب إن عثمان يجازی عند الله أكثر من الحسين (ع) لأنه صبر ولم يقاتل المسلمين وقتل على صبره مع أنه خليفة المسلمين والحسين خرج يطلب الخلافة ولم يكن خليفة.
الكلمة الثالثة لابن كثير في كتابه المعروف البداية والنهاية المتوفى سنة 774حيث يصرح في هذا الكتاب بأن خروج الحسين مع أهله للعراق كان في طلب الإمارة.
الكلمة الرابعة لابن خلدون المتوفى سنة 808 يقول: إن الحسين (ع) قام ضد يزيد وكان قيامه واجباً لفسق يزيد مع أنه كان قادراً على الحكم وكان صالحاً للحكم و أولى به من يزيد ولكن اشتبه من حيث القوة العسكرية.
الكلمة الخامسة للطنطاوي المتوفى سنة 277 وحاصل كلامه أن الحسين كان يحسن الظن بمن كان حوله ممن كانوا يرغبونه في الخروج ولكن لم يكن حسابه لقدرة بني أمية وشدة مواقفهم صحيحاً ولم يكن مهتماً بغدر أهل العراق حيث غدروا بأبيه وأخيه.
فهذه خلاصة بعض الكلمات التي ذكره من القائلين بهذه النظرية ويمكن مناقشة هذه النظرية بخمسة نقاط:
النقطة الأولى: إن ظلم بني أمية كان إلی حد لا يخافون من الهتك والفتك والقتل والسبي فحكومتهم كانت حكومة دموية ولولا هذه الحكومة الدموية لما قتل الامام الحسين (ع) فإن قتله مستند إلى دموية بني أمية لا إلى خروجه فلو كانت الأجواء المخالفة والمعارضة عند بني أمية مفتوحة خصوصاً في عصر يزيد ما كان الأمر ينتهي إلى قتل الامام (ع) كما نرى كثيراً من الأمراء في الكوفة قبل ابن زياد عارضهم الشيعة والخاصة من أصحاب أميرالمؤمنين (ع) ولكن لم يقتلوا أحد منهم وعندما جاء ابن زياد بدأ بقتلهم واحداً بعد آخر ومع الأسف هذه النكتة لم تؤخذ بعين الاعتبار في تفسير هؤلاء.
النقطة الثانية: ما يستفاد من كلام الطنطاوي وغيره وهو أن الامام فشل في قيامه لثلاثة أمور:
1- عدم التقييم الصحيح لشخصية أهل الكوفة
2- العداء الدفين والحقد العظيم من بني أمية على بني هاشم
3- القدرة العسكرية لبني أمية.
ولكن من الواضح جداً أن هذه العناصر الثلاثة كانت واضحة بوضوح رأي العين عند الامام (ع) والامام عاصر معاوية سنين وعاصر حروب أميرالمؤمنين مع معاوية فكيف لا يعلم بهذه الأمور الثلاثة في زمانه؟
والفرق بين نظر الامام وتفسير هؤلاء أن الامام كان يعلم بهذه العناصر ولكن قدم مصلحة الدين وهداية الناس على مصلحة نفسه وأهل بيته.
النقطة الثالثة: في مناقشة هذه النظرية أنه ورد في كتب الفريقين تفسير آية التطهير والمفسرون عامة وخاصة يعتقدون أن أصحاب الكساء من مصاديق هذه الآية وهذه الآية تثبت عصمتهم فكيف هؤلاء يتهمون الامام بأنه طلب الحكم والرئاسة وذاك الذي انتهى إلى قتله وقتل أولاده وأصحابه فأنه من أعظم المعاصي اذا تخلينا عن العصمة ومن الغرابة جداً أنهم في مصادرهم رووا هذه الرواية عن النبي (صلّى الله عليه وآله) عن طرق أنس بن حارث إن ابني هذا يعني الحسين (ع) يقتل بأرض من العراق فمن أدركه منكم فلينصره ولعن الله قاتليه، ومع وجود هذه الرواية كيف يقولون أن الامام خرج لطلب الحكم.
النقطة الرابعة: وهي مهم جداً، إن الذي يطلب الرئاسة يستخدم وسائل التزوير والكذب وأي وسيلة للوصول إلى الحكم وإغواء الناس كما نرى الآن في الأحزاب السياسية وفي الحكومات المعاصرة والامام (ع) لم يستخدم شيئاً من هذه بل صرح في مواقف كثيرة بأنه يقتل ويستشهد فإن القائد لو كان هدفه الوصول إلى الحكم لا يخبر أصحابه بقتله واستشهاده.
النقطة الخامسة: إن الامام في كلماته خصوصاً في وصيته لأخية ابن الحنفية صرح بأنه لم يخرج لطلب الحكم فیقول : إني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي، فكيف مع هذه الوصية المذكورة في الكتب التأريخ التزم هؤلاء بأن خروجه كان طلباً للرئاسة.
اذن هذه النظرية فاسدة جداً .
بسم الله الرحمن الرحيم
ذكرنا في البحث السابق أن أهم النظريات التي طرحت في وجه خروج الامام الحسين (ع) سبعة، المشهورة بين العامة والخاصة وبحثنا عن النظرية الأولى التي ذهب إليها جمع من علماء السنة وكان حاصلها أن خروج الامام (ع) كان مبنياً على طلب الحكم والرئاسة لو تمت هذه النظرية وقد ناقشناها مفصلاً.
أما من حيث الجانب الفقهي يكون خروجه حراماً لذلك فقهاء السنة الذين اعتقدوا بهذه النظرية حرموا الخروج ولكنها كما ذكرنا بالتفصيل عقائدياً وحتى فقهياً لا نوافق عليها لأنه سنذكر إن شاء الله خلال الأبحاث الآتية أنه هناك أدلة عديدة على وجوب الخروج فضلاً عن الأدلة العقلية التي توجب الخروج عقلاً وعقائدياً وسنذكرها في محلها إن شاء الله.
النظرية الثانية: وهي نظرية تبناها الصوفية وعلى حد تعبير بعض العرفاء فسروا قضية عاشوراء ونهضة الامام الحسين (ع) بتفسير عرفاني صوفي على كلا المستويين العرفان النظري والعرفان العملي وجعلوا قضية عاشوراء تمثالاً عظيماً للعشق الالهي وفناء العاشق في وجود المعشوق وإن العاشق لا يرى إلا المعشوق فلا يرى لنفسه أي هوية إلا أن يكون تحت ظل المعشوق ومن خلال مراجعة كلماتهم نستخرج عدة نقاط في هذه النظرية.
1- إن الله سبحانه وتعالى قدر لكل إنسان عمراً وحياة محدودة في هذه الدنيا والموت هو الوصول إلى المعشوق والحیاة عنده
2- إن الله لحبه الشديد لعبده أحياناً يختار له الموت أو الشهادة
3- إن الله تعالى اذا اختار الشهادة لعبده اختار أيضاً أسباب الشهادة له وجعله في ظروف تنتهي إلى شهادته
4- بما أن الشهادة مختارة الله وأسبابها مختارة عند الله فالشهيد أو من يكتب له الشهادة مسرور وهي سعادة فقتله ليس حزناً وهماً وغماً بل قيام المجالس والعزائم لقتله مكروه لأنه خلاف إرادة الله ووصول العاشق إلى معشوقه
5- إن الذين قاتلوا الامام الحسين (ع) كان قتالهم بمشيئة إلهية لأنه قد حان وقت رحيل الامام عن الدنيا والله أراد أن يختار له الشهادة دون الموت حتف الأنف فسخر جمع من عباده لقتاله وكإنما يظهر من كلماتهم أنهم لا يعاقبون وعلى ظاهر هذا تكون قضية عاشوراء تجسد تمثالاً عظيماً لعشق العبد بمولاه
6- إن العاشق يريد أن يصل إلى المعشوق فطريقة وصوله له موضوعية في قربه لدى المعشوق فكلما كانت طريقة الوصول أتعب وأجهد كان الوصول أشرف وأفضل والامام الحسين (ع) أراد أن يلقى ربه بدمائه فاختار الله له الشهادة في أعلی درجاتها وقد أنشد العرفاء الصوفية أشعاراً ورثاءاً في مدح الامام الحسين وأصحابه تدل على هذه النقاط الستة، لا بأس أن نشير إلى بعضها حتى تكون النظرية مستدلة وفيها من المصادر
من الذين أنشد في أشعاراً تدل على هذه النظرية الملا الرومي صاحب كتاب المثنوي المعروف الذي عليه عشرات من الشروح وذكر في صفحة 959 وسأذكر بيتاً واحداً من هذه القصيدة يقول:
بر دل و دين خرابت نوحه كن *** که نمیبیند جز این خاک کهن
يقول: البكاء والنوح فقط على الشخص الذي يبكي على دينه ليس على الحسين لأنه ينظر إلى كربلاء نظرة مادية وظاهرية ودنيوية فالذي يبكي على الحسين ليس الواقع يبكي على الحسين فالمفروض يبكي على نفسه لأنه يرى الدين بمنظرها الدنيوي وإلا المفروض أن يسر ويفرح من قضية عاشوراء لأنه تجسد في قضية عاشوراء وصول العاشق إلى معشوقه وليس فيها حزن ولا بكاء.
هناك شخص آخر من الصوفية يسمى عمان الساماني الذي يعتبر من الشعراء الصوفية المتوفى سنة 1322 له عبارة بهذا المعنى ومضمون العبارة أن كربلاء ميدان السلوك والعرفان والوصول إلى الله وأن الله قدر للامام الحسين الشهادة لأنه أفضل طريق لوصول العاشق إلى معشوقه ويصرح في صفحة أخرى من هذا الكتاب وهو (زبدة كنجينة أسرار) في اللغة الفارسية أنه كان أفضل طريق أن يلقى الامام ربه وهو مخضب بدمائه فاختار الله له قوماً يقاتلونه ويستشهد على أياديهم حتى يلقي ربه مخضب بدمائه.
وهناك شاعر آخر قريب إلى عصرنا متأخر عن ملا الرومي وعمان الساماني يسمى (ميرزا حسن الاصفهاني) ولكن يلقب في أشعاره (صفى على شاه) المتوفى سنة 1316 الهجري، عنده كتاب المعروف بعنوان (زبدة الأسرار) فلديه قصيدة عرفانية حول عاشوراء لأنها تعتبر من أجمل القصائد في هذه النظرية يقول فيها:
آفتاب عشق ميدان تاب شد *** عقل آن جا برف بود وآب شد
يقول: إن شمس العشق كانت في كربلاء طالعة والعقل كان في منزلة الثلج وذاب
عقل تنها ني دم از هيهات زد *** عشق را هم بهت برد و مات زد
مضمون هذا البيت؛ إن العقل آخر ما نطقه من الكلام في يوم عاشوراء قال: هيهات من الذلة، وإلى هنا توقف العقل والذي جاء بعد هذا هو العشق الذي بقي مبهوتاً عندما وجد الامام (ع) في عاشوراء وفي مواقف.
البيت الثالث يقول:
پرده « كشـف الغــطا » برچيده شـد *** آنـــچه حيــدر را يقيـــن بُـــــــد ديـــده شـد
يقول أميرالمؤمنين (ع) في الكوفة قال: لو كشف لي الغطاء ما ازددت يقيناً، يقول الامام علي (ع) قال هكذا، ولكن في يوم عاشوراء ارتفع الغطاء والذي كان يراه علي باليقين رأيت بالعين، ثم يقول:
ذات مطلق بى حجاب اى مرد كار ***گشت در ميدان توحيد آشكار
يقول: إن الله تعالى من دون أي حجاب جلی في مقام التوحید في يوم عاشوراء
آفتاب لا يزالى بر فروخت *** پرده های لن تراني را بسوخت
يقول: الشمس لايزال طلعت في يوم عاشوراء والحجب التي كانت لموسى وقيل له: لن تراني احترقت يوم عاشوراء، وهذه النظرية يمكن أن تلاحظ عليها الملاحظة سياسية والعمدة في مناقشتها بلا شك أن من أهم الجوانب قضية عاشوراء هو الجانب العرفاني والسلوكي في سيرة الامام (ع) وأصحابه سلام الله عليهم جميعاً والذي يغفل عن هذا الجانب بلاشك ولا ريب لم يتمكن من تفسير صحيح في قضية عاشوراء ولكن اللوازم التي ترتبت على هذه النظرية حسب كلمات هؤلاء الشعراء الصوفية مردودة فهناك خلط واضح بين المشيئة التي قدرت للامام واستشهاده نتيجة الظلم وفساد المجتمع الاسلامي ووجود حكومة بني أمية وبين التقدير الإلهي الذي يكتب الأجل للعبد من دون دخالة أي شخص أو إرادة أخرى فأين الامام (ع) وأصحابه قتلوا بأيدي الظلمة ويستحقون العقاب بل لا تنال شفاعة أهل البيت لهم فأين الآيات الشريفة والسنة القطعية والدليل العقلي القطعي يذم من قاتل الحسين (ع) وقضية عاشوراء فاجعة وليست سروراً وفرحاً؛ نعم إن الله تعالى جازی الامام وأصحابه أفضل الجزاء لأنهم تحملوا ظلم الناس وظلم بني أمية وقتلوا بلا ذنب وكيف ندعي أن الله تعالى اختار له الشهادة فاختار لهم قوماً يقاتلونهم ويقتلون وذاك القوم بمنزلة الآلة لتنفیذ المشيئة الإلهية ولذلك هذه النظرية لا يمكن الالتزام بها قطعاً وإن كانت في صفحاتها وأبياتها وكلماتها جذابة جداً لأنه خلط بين الحق والباطل؛ لذلك الأشعار التي أنشدت في هذه النظرية لو جردت عن هذه اللوازم جيدة يمكن القبول بها ولكن مع هذه اللوازم حتى علماء السنة بشكل عام لم يلتزموا بهذه اللوازم التي أشرنا إليها في النكات الستة.
بسم الله الرحمن الرحيم
ذكرنا في البحث السابق عن النظرية الثانیة في تفسير وتحليل خروج الامام الحسين (ع) في قضية عاشوراء وكان حاصل هذه النظرية أن الصوفية ومن بحكمهم الذين أحياناً عبر عنهم بالعرفاء كان يعتقدون أن خروج الامام (ع) تمثال وتجسيم لوصول العاشق إلى معشوقه وكان مقدراً أن الامام يرتحل من الدنيا وكتب الله له الشهادة وعليه قضية عاشوراء قضية عشق ووفاء بالعهد وليس فيها حزن وهم وإنما واقعها سرور وفرح لذلك يكرهون الصوفية إقامة المجالس الحسينية ومأتم العزاء وقد تقدم تفصيلاً المناقشة في هذه النظرية ومن حيث الجانب الفقهي لو التزمنا بها فإن الفقيه ينبغي أن يفتي باستحباب الخروج لأن الوصول إلى المعشوق والخروج من الدنيا بصيغة الشهادة أمر كمالي ومستحب وليس واجباً فقهياً فإن كل كمال يتمكن الإنسان من الوصول إليه فأنه أمر راجح ومستحب إلا اذا قام دليل على وجوبه والمستفاد من كلمات الصوفية حول قضية عاشوراء إن شهادة الامام (ع) وأصحابه كمال راجح لهم وما كان تكليفاً شرعياً وواجباً على عاتقهم.
النظرية الثالثة: التي طرحت حول تفسير واقعة عاشوراء ولها قائلون في عصرنا أن الامام الحسين (ع) قتل بالشهادة والقتل بأبشع الصور حتى يكون شفيعاً يوم القيامة للمذنبين وهذه النظرية متصيدة من المسيحيين لأن من أصول عقائدهم أن عيسى (ع) فدى بنفسه وصلب حتى يكون كفارة لذنوب قومه وإن الله تعالى يغفر ذنوبهم لأن عيسى صلب مع فرق بين هذه النظرية وبين هذا الأصل العقائدي للمسيحيين فإن عيسى صلب مرة واحدة وكان قتله وصلبه كفارة لأمته ولكن في قضية عاشوراء كلما يرتبط بالحسين (ع) من إقامة المجالس والزيارة والبكاء عليه ونحوه ذلك أسباب لغفران الذنوب ولذلك جملة من الكتاب حول قضية عاشوراء في زماننا قووا هذه النظرية بسرد النصوص الدالة على أن من مشى لزيارة الامام (ع) غفرت ذنوبه من بكى على الحسين (ع) غفرت ذنوبه من أقام مجالس حسينية غفرت ذنوبه وهي مفاهيم متصيدة من النصوص الشرعية ولكنها وضعت في قالب إن الحسين (ع) وثورته كفارة لذنوب شيعته ومع الأسف الشديد نرى بعض المحبين لا يبالي في المحرمات وترك الواجبات ولكن مهتمون بالشعائر الحسينية ارتكازاً في ذهنهم أنها تجبر وتكفر الذنوب وجاء بعض الشعراء أنشد قصائد في هذا المجال من جملة الشعراء يوجد شاعر إصفهاني له ديوان يسمى بديوان (مكرم) أنشد في هذا الديوان قصيدة يشرح فيها حال العاصي في يوم القيامة وأنه يعترف أمام الله بمعاصيه واحدة بعد أخرى ويأتي الخطاب من الله إنك مغفور لأنك بكيت على الحسين (ع) ويمكن مناقشتها بعدة نقاط:
1- إن هذه النظرية توجب الجرأة للمحبين على المعاصي وحاشا ابا عبد الله (ع) الذي أفدى بنفسه و أولاده وأصحابه أنه كان نوى في قيامه الجرأة على المعاصي وهذا ما نشهده بالوجدان عند البعض ولا يقبله عقل سليم ولا فقيه من حيث الأدلة الشرعية
2- إن الروايات التي وردت في فضل البكاء على الحسين (ع) وإقامة المجالس عليه وفضل ثواب الزيارة إليه إلى مرقده الشريف كلها صحيحة وتامة سنداً ودلالة ومن فضل الله تعالى إن الله تعالى كما ورد في الروايات يغفر الذنوب ولكن ليس في هذه الروايات هذا المفهوم حتى تلويحاً إن الحسين قدر له الشهادة لإجل غفران الذنوب فهذا التفسير خطأ بلا شك في هذه النصوص الشرعية ونحن لا نرى حتى في دين المسيح أن عيسى (ع) قتل لأجل ذنوب أمته فإن الدين الذي من أصول عقائده هذا الموضوع منحرف وليس واقعياً ولا يخفى أنه حسب النصوص الواردة عن أهل البيت أن عيسى لن يصلب وإنما شبه لهم وهو مرفوع إلى السماء الرابعة وسينزل إلى الأرض عند ظهور الامام (عجل الله فرجه الشريف) ويصلي خلفه جماعة في القدس الشريف ومن بعد صلاة الجماعة يخطب في المسيحيين ليرشدهم إلى الاعتراف بإمامة الامام (ع)
3- في ضعف هذه النظرية لو سلمنا بها فأنه من لوازمها أن قضية عاشوراء قضية حزنية وبكائية ليس إلا ولم تكن فيها عبر ودروس كما أن المسيحية من صلب عيسى لا يستنبطون درساً وعبرةً وإنما يرون قتله كفارة لذنوبهم مع أن قضية عاشوراء مصدر لدروس وعبر من الإباء والكرامة والصبر والمقأومة والخروج ضد الطغاة وعشرات المفاهيم وقيم الإنسانية والكمالية فلو جعلنا الطابع فيها طابع الحزن والبكاء فقط وإن الامام (ع) استشهد فقتله كفارة وتوبة لشيعته اذا لا نستلهم منها درساً في حياتنا اليومية ولم تكن قضية مستقبلية بل هي قضية واقعة في زمان وجعل الله هذا الدم المبارك كفارة لذنوب الشيعة وهذا في الحقيقة نوع من الظلم بالنسبة لوصية الامام الحسين (ع)
النظرية الرابعة: التي طرحت في المقام طبعاً لا يخفى على هذه النظرية الثالثة فلنذكر النكتة الفقهية على هذه النظرية الثالثة لا يمكن أن نستنبط من خروج الامام (ع) أي حكم فقهي لأن الله تعالى قدر له الشهادة كفارة لذنوب الأمة وهذا شيء خاص بالامام اذا تخرج قضية عاشوراء من موضوع الجهاد سواء فسرناها بالجهاد الدفاعي أو الابتدائي أو من موضوع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما أن قتل عيسى عند المسيحیین مقدر إلهي لكفارة الذنوب لذلك لا نجد عندهم موضوع الجهاد والقيام ضد الظلم اعتباراً من قتل عيسى (ع) ولعله يقال من أفسد لوازم هذه النظرية إنكار الجانب الفقهي لخروج الامام (ع) .
النظرية الرابعة هي المشهورة عند المتقدمين وموجودة في كلمات الشيخ المفيد والشيخ الطوسي والسيد المرتضى (رحمة الله عليهم جميعاً) وأصبحت مشهورة لا أقل تقدير بعد غيبة الصغرى ثلاثة قرون بل قيل أنها مشهورة إلى القرن السابع أي إلى زمان حياة السيد ابن طأووس (رحمة الله) لأن له نظرية سنذكرها بعنوان النظرية الخامسة.
حاصل هذه النظرية أن الامام الحسين (ع) كان له هدفان من الخروج لا ثالث لهما ولكن بينهما علاقة طولية:
الأول: تأسيس حكومة عادلة كحكومة النبي (صلى الله عليه وآله) و أميرالمؤمنين (ع) فإن لم يتمكن فالصلح مع بني أمية ولكن بشرط الحفاظ على عزته وكرامته ولكن لم يتوفق في الأول ولا في الثاني وقدرت له الشهادة وما كان يعلم بها حين خروجه ولم تكن مقصودة عنده، وبعبارة أخرى لو كان يعلم بأن الشهادة مقدرة له ما خرج لأجلها ولكنه ما كان يعلم بها فخرج لإقامة العدل والحكم فإن لم يتمكن بالصلح العزيز لا الذليل وهؤلاء المتقدمون في كتبهم حأولوا أن يأتوا بالشواهد على إثبات هذه النظرية من جملتها حب أهل الكوفه للامام وأذيتهم الشديدة من حكومة بني أمية وأنهم عاشوا زمان أميرالمؤمنين خلافته الظاهرية فكانوا يتمنون الامام يصل إليهم ويعيد حكم أبيه لذلك خرجت منهم آلاف الرسائل لتعجيل الامام (ع) وأيضاً من جملة الشواهد مواقف الامام (ع) في المدينة ومكة وكلماته ولقائه مع الشخصيات لتهيئة الظروف لقيام دولة إسلامية والنصوص التي دلت على أن الامام خرج لأجل الشهادة وكان يعلم بالشهادة أما ضعيفة سنداً أو دلالة.
حاصل هذه النظرية والذي يريد التفصيل يراجع کلمات هؤلاء الثلاثة الأعلام الشيخ المفيد والشيخ الطوسي والسيد المرتضى (رحمهم الله) يمكن مناقشة هذه النظرية بنكات:
النكتة الأولى: إن لازم هذه النظرية أن الامام (ع) كسائر الثوار والاصلاحيين الماديين حيث يقومون قبال حاكم ظالم أو جائر وهو بين الفوز والفشل فأما يفوز على الحاكم ويستلم مقاليد الحكم وإما يفشل والفشل ينتهي إلى المصالحة الوطنية حسب تعبير المعاصرين أو إلى السكن والقتل فتخلوا في عاشوراء من عنصر مهم جداً وهو عنصر هداية الناس الذي كان اهتمام الامام (ع) بهذا العنصر لأن المصلح الرباني والإلهي هدفه الأساسي من الثورة والقيام إرشاد عقول الناس وهدايتهم إلى السعادة وإن كان قيامه من باب مطالبة الحكومة أو كان قيامه ینتهي بالصلح وغير ذلك ولكن ظاهر هذه النظرية أن قيامه فارغ عن هذا العنصر وعلى أساس هذا العنصر المهم شهادة الامام أيضاً تدخل في طريق هداية الناس وتكون من مصاديق إرشاد العقول وتنبيه إلى الحق وترك الباطل.
النكتة الثانية: إن التأريخ في صفحاته يشهد من زمان النبي ( صلى الله عليه وآله) وتعامله مع الحسين (ع) إلى خروج الامام من المدينة المنورة أن الامام كان يعلم بشهادته ومحلها وزمأنها مضافاً إلى روايات متعددة مأثورة عن أهل البيت في أن الأئمة (ع) يعلمون بالغيب فكيف الامام لا يعلم بعاقبته في هذا الخروج وأنه سيقتل في كربلاء لذلك يوجب الغرابة أن الأعلام من المتقدمين كيف أنكروا علمه بالشهادة.
النكتة الثالثة: أنه لو سلمنا بهذه النظرية يستلزم القدح في إمامة الامام لأنه من كان يعيش في ذلك الزمان مثل أمثال ابن حنفية وابن عمر شخصيات المجتمع الإسلامي كانوا يعتقدون أن الامام لا يملك مؤهلات الحكومة من القدرة العسكرية والاقتصادية والمسلمون قاطبة إلّا ما شذ وندر كانوا تابعين لحكومة بني أمية ورسوم الجاهلية أحيت في قلوبهم منذ خلافة عثمان وحكومة معأوية عشرین سنة وتغيير سلوكهم وعقائدهم وثقافتهم ليس بالأمر الهين فكيف الامام يخرج وهو غير ناظر إلى هذه النقاط ويرى نفسه قادراً علی تشكيل الحكومة الإسلامية وتغيير المجتمع يعني أنه من حیث الفراسة والنظرة المستقبلية كان أقل فهماً من ابن عمر وابن الحنفية وما شاكلهم وهم نصحوه بعدم الخروج وأن أهل الكوفة لا يعتمد عليهم ولكن هو اعتمد عليهم وخرج وهذا يوجب القدح في أصل الامامة لذلك يزداد عندنا العجب من القدماء كيف التزموا بهذه النظرية واشتهرت في أوساطهم.
فذكر بعض المحققين تخريجاً لهذه النظرية وهو أنهم طرحوا هذه النظرية أمام العامة لأن القدماء كما نعلم کان أكثر تعايشهم مع علماء العامة ومدارسهم في بغداد وكانوا يريدون أن يجيبوا عن أسئلة كثيرة وشبهات كانت تطرح حول عاشوراء من قبل علماء السنة من جملتها أن الحسين (ع) أقدم على التهلكة فأجابوا بهذه النظرية وأنه ما كان يعلم بالشهادة وأنه كان يريد العدل والحكم الإلهي إلا أن الله قدر له الشهادة اذا لم نوافق على هذا التخريج فالإشكالات المتقدمة واردة على هذه النظرية وعلى أساسها يكون خروج الامام واجب شرعي بحسب نظر الفقهاء فجميع أدلة إقامة العدل عقلاً ونقلاً إصلاح الأمة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تكون جارية في المقام.
ويجب على كل حاكم اذا كان متمكناً من قيام الدولة أن يقوم لإصلاح الأمة لذلك هذه النظرية فقهياً جداً مقبولة لأنها تعطي الوجوب الفقهي بوضوح ولعله من الأدلة التي جعلت هذه النظرية مشهورة عندهم ولهذا يمكن أن نعالج النظرية بهذه الصورة أنها صحيحة مع إصلاح واحد وهو أن الامام كان يعلم بالشهادة فمع علمه بالشهادة خرج لإقامة العدل وإصلاح الأمة.
بسم الله الرحمن الرحيم
ذكرنا في البحث السابق أن مقتضى النظرية الخامسة من أن قيام الامام الحسين (ع) كان فقط لأجل الشهادة والوصول إلى هذا المقام العالي أن نقول في الفقه أن هذا القيام أمر مستحب وليس واجباً مع قطع النظر عن المناقشات التي تقدمت وخروج الامام (ع) طلب للشهادة لا يكون تكليفاً شرعياً واجباً وإنما هو طلب لكمال عالٍ وهو مقام الشهادة وبناء على ذلك اذا أخذنا درساً من عاشوراء وجعلنا قيامه عبرة للمؤمنين والصالحين والأولياء فهم عبرة على مستوى الاستحباب الشرعي وليس على مستوى الوجوب لأن طلب الشهادة والرقي إلى مقام الشهادة ليس واجباً لا شرعاً ولا عقلاً وإنما هو مستحسن اذا تمت هذه النظرية وغض البصر عن المناقشات المتقدمة.
النظرية السادسة التي مطروحة الآن وفي زماننا لها قائلون أن خروج الامام الحسين (ع) حسب الأدلة والنصوص الشرعية كان تكليفاً خاصاً ولا يعم غيره لأن الله تعالى أمره بذلك بل خصه بذلك ولذا لم يكن قيامه مكرراً بعده عند الأئمة (ع) مع أن كثيراً من أولادهم خرجوا ولكن الأئمة أنفسهم لم يخرجوا أصلاً وفي نصوصهم وردت أن هذا التکلیف خاص بالامام الحسين (ع) ولهذا موقف الامام الباقر (ع) من زيد الشهيد يدل على ذلك أو موقف الامام الصادق (ع) بالنسبة إلى الثورات التي قاموا بها أبناء الامام الحسن (ع) وقس على ذلك باقي الموارد فإن خروج الامام الحسين (ع) تکلیف اختص به لمصلحة وسر الهي.
وجمع من الأعلام صرحوا بهذه النظرية واختاروا حتى من المعاصرين فنشير إلى كلماتهم لأن هذه النظرية لها قائلون، من جملة الذين صرحوا بهذه النظرية العلامة المجلسي (رحمه الله) يقول بعدما ينقد نظرية السيد المرتضى التي تقدمت مفصلاً وأن الامام خرج لتشكيل الحكومة الإسلامية ثم للصلح ولكنه انتهى أمره إلى الشهادة ولم يثبت أنه كان عالماً بالشهادة وهذه نظرية السيد المرتضى.
العلامة المجلسي يعلق على هذه النظرية وحاصل كلامه هذا أنه قد ورد في كتاب الإمامة ويقصد من كتاب باب الإمامة لأن المجلسي جعل البحار على شكل كتب حسب العنأوين وردت في كتاب الإمامة وكتاب الفتن يعني من البحار يقصد أدلة على أن لكل إمام تكليفاً خاصاً فلا ينبغي مقايسة أعمالهم بأعمالنا من المائلين لهذه النظرية صاحب الجواهر ذكر في جزء 21 ص 295 وحاصل كلامه ما وقع من الحسين (ع) مع أنه من الأسرار الربانية والعلم المخزون يمكن انحصار الطريق في ذلك وفي نهاية المطاف یقول على أنه تكليف خاص قد تقدم عليه وبادر إلى إجابته وهو معصوم من الخطأ لا يعترض على فعله ولا على قوله، فكلام صاحب الجواهر من أن قضية الحسين (ع) قضية خاصة وفي نفس الوقت صاحب الجواهر متحير أن تخريجه الفقهي ماذا يكون لأن الامام يفقد العِدة والعُدة وشرائط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر منتفیة وکذا شرائط إقامة الحكومة الإسلامية منتفية.
الكلمة الأخرى للسيد العلامة صاحب تفسير الميزان إن سيد الشهداء (ع) لمصلحة الإسلام والمسلمين اختار الامتناع عن البيعة والقتل في سبيل الله وكان التكليف الإلهي أيضاً الامتناع عن البيعة والقتل في سبيل الله وهذا مفاد النصوص التي دلت على أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال له شاء الله أن يراك قتيلاً كما أنه (ع) صرح بها لمن نصحه بعدم الخروج فيظهر من كلام السيد العلامة أن الامام من جانب لاحظ مصلحة الاسلام والمسلمين ولكن من جانب آخر له تكليف خاص يقاتل ويستشهد ومن القائلين بهذه النظرية ومصر عليها كثيراً ومصرح بها بتصريح أقوى الشيخ الصافي (حفظه الله) في نفس هذا الكتاب 20 مقالة توجد مقالة عن الشيخ أن من أصول الشيعة والأحاديث المعتبرة يستفاد أن كل إمام كان مكلف بتكليف خاص وبصريح هذه النصوص كان تكليف الامام الحسين (ع) القيام بالشهادة وكان عالماً بها وما كان تكليفه تأسيس الحكومة.
من الذين صرحوا بهذه النظرية المرحوم الدكتور آيتي يقول إن المستفاد من قوله (ع) في كتاب لهوف وخير لي مصر أنا لاقيه وقوله (ع) لا محيص أن يوم خط بالقلم أن الله تعالى قدر للامام الحسين الشهادة وكان مأموراً بتحصيلها لذلك رأى أن إصلاح الأمة في شهادته لأن المقدر أن يستشهد، يمكن أن نستدل على هذه النظرية بوجوه.
الوجه الأول: أجوبة الامام (ع) في مقام نصيحة الآخرين بعدم الخروج كعبد الله بن جعفر ويحيى بن سعيد وعبد الله بن عباس وعبد الله بن زبير ومحمد بن حنفية؛ جواب الامام عن هؤلاء قال إني رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) في رؤياي أمرني بشيء وأنا مأمور به لا أقوله لأحد إلا عند قتلي ولقاء الله، من هذا الجواب يفهم أن الامام له تكليف خاص ومأمور بامتثاله.
الوجه الثاني: ما ورد في صحيحة ضريس الكناسي عن ابي جعفر (ع) قال قال له حمران جعلت فداك أرأيت ما كان من أمر علي والحسن والحسين (ع) وخروجهم وقيامهم بدين الله عز وجل وما أصيبوا من قتل الطواغيت إياهم والظفر بهم حتى قتلوا وغلبوا فقال (ع) يا حمران الله تعالى قد كان قدر ذلك عليهم وقضاه وأمضاه وحتمه ثم أجراه فبتقدم علم ذلك إليهم من رسول (ص) قام علي (ع) والحسن والحسين وبعلم صمتت من صمتت منى.
الوجه الثالث: ما وردت من رواية صریحة برسائل سمأوية وختومات كتب فيها لكل إمام تكليفة كحديث معاذ ابن كثير المتقدم الذي قرأناها في البحث السابق وهذه تدل على أنهم مكلفون بتكاليف خاصة بهم لا يقاس بهم أحد ولا يأخذ منهم نموذج أو قدوة في الحياة لا يخفى إن هذه النظرية لو تمت تدل على وجوب الخروج للامام (ع) لأنه كان مأموراً بالقتال والشهادة ولكن لا يمكن تعميم هذا الوجوب إلى غيره فإن أولاده (ع) لم يتبعوه في هذا الواجب كما ورد في صحيحة ضريس كما شرحناه آنفاً إن لنا تكليف الصمت ولعلي والحسن والحسين (ع)كان تكليف القيام وبناء على هذا خروج الامام كان واجباً شرعياً وعقلياً بمقتضى قانون وجوب إطاعة المولی ولكن ملاك الوجوب اختص به (ع) وبزمأنه ولا يشمل سائر الأزمنه ولا سائر الأفراد، ويمكن أن نلخصها بثلاثة وجوه:
الوجه الأول: أنه يترائى من هذه النظرية أن الأئمة (ع) لهم حياة وتكاليف خاصة وأنهم بمنزلة مأمورين على وجه الأرض كل ملائكة موكلين على الدنيا ولا يجوز مقايسة تصرفاتهم بتصرفات الآخرين وهذا لا يمكن قبوله أصلاً لأن سيرتهم تدل في كل موقف من مواقف حياتهم كان موقفهم درساً للآخرين ويلاحظون مقتضيات الزمان والمكان ومتطلبات المجتمع وشعور الناس لذلك نحن في كل خطوة من خطوات حياتهم نستلهم منهم دروساً ولا نقول بأن الامام حياته كلها تكليف خاص كما صرح به هؤلاء لا يقاس بهم أي عمل أو لا تقاس أعمالهم بأعمال الآخرين بل أعمالهم دائماً كانت مستدلة بحسب أقوالهم بالكتاب والسنة وبالأدلة الشرعية.
فاذا كان يُسأل الامام عن شيء وموقف خاص له كان يجيب بالكتاب أو سنة النبي (ص) ويخرجه تخريجاً شرعياً اذا القول بأن هذا كان تكليف خاص ينافي كونهم أئمة يهدون الناس وحياتهم قدوة للآخرين.
الوجه الثاني: حيث شوّق ورغّب المسلمين والمؤمنين في حركة في مواقف كثيرة بالالتحاق به وبالقيام ضد الطغاة وهذا التشويق والترغيب دليل على أنه ليس تكليفاً خاصاً بالامام مثلا: في رسالته إلى بني هاشم جاء هذا النص ومن لم یلحق بي لم يدرك الفتح وفي لقاء مع الحر وجيشه قال أيها الناس إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال من رأى سلطان جائراً مستحلاً لحرم الله كان لعد لله مخالفاً لسنة رسول الله يعمل في عباد الله من الإثم والعدوان فلم يغير عليه بفعل وقول كان حق على الله أن يدخله مدخله.
الوجه الثالث: اذا سلبنا القواعد والأدلة الفقهیة عن قيام الامام (ع) وحصرنا قیامه في تكليف خاص موجه إليه لأغلقنا باب الجهاد بعد قيام أبي عبد الله (ع) وكل الثورات التي استلهمت من قيام الحسين (ع) إلى زماننا هذا ستكون غير شرعية والحال أن سيرة الشيعة بعد عاشوراء من زيد الشهيد وغيره أنهم كانوا يطلبون القيام وكانوا يواجهون الطغاة وكانوا أول دليلهم الاستدلال بقيام أبي عبد الله (ع) .
بسم الله الرحمن الرحيم
النظرية السابعة وفي وجه خروج الامام (ع) في قضية عاشوراء ونسميه بنظرية وجوب حفظ الدين من الانحراف والاندراس ومن أصول الدين عند الشيعة وفي مدرسة أهل البيت (ع) إن من أصول الدين الإمامة والإمامة يستدل عليها في محلها بوجهين:
الأول: الدليل العقلي فإن مقتضى قاعدة اللطف أنه يجب بحكم العقل أن يكون هناك شخص يحفظ الشريعة بعد بعثة النبي (صلى الله عليه وآله) وإلا استلزم نقض الغرض من بعثة النبي بل الأنبياء (ع) لذلك كان لكل نبي صاحب شريعة وصي فتكون وظيفة الامام (ع) حفظ الشريعة كما هي نزلت على النبي (صلى الله عليه وآله) .
الوجه الثاني النصوص الدينية المتواترة التي دلت على وجوب نصب الامام بعد النبي وعلى رأسها حديث الغدير اذا من أصول مذهب أهل البيت (ع) أنه يجب نصب الامام لحفظ الشريعة وعلى هذا الأساس حفظ كل واحد من الأئمة هذه الشريعة بحسب مقتضيات عصرهم فجلس أميرالمؤمنين (ع) خمسة وعشرين سنة داره وصبر على ما جرى في الاسلام و المسلمين حفاظاً على شريعة محمد (صلى الله عليه وآله) ثم استلم الحكم قرابة خمسة سنوات أيضاً لحفظ الشريعة كذلك الامام الحسن (ع) لحفظ الشريعة صالح معأوية لأنه كان يرى في زمأنه أن الأصلح لحفظ الشريعة مع ذكر تلك الشروط في محلها وإن كان خالف معأوية عن الالتزام بها كذلك في عصر الامام الحسين (ع) كان حفظ الشريعة بقيام الامام واستشهاده وكذلك في عصر الامام السجاد (ع) کان حفظ الشریعة بالصمت والتقية الشديدة وفي عصر الصادقين (ع) بنشر علوم محمد وآل محمد وهكذا في سائر أدوار الأئمة (ع) في حياتهم تدور حول هذا المحور الأساسي وهو أنهم حفظوا الشريعة من الاندراس والانحراف وهذا لا ينافي القول بأن الامام (ع) كان يعلم بالشهادة كما صرحت به النصوص الشرعية كما لا ينافي أيضاً أن شهادته كانت مكتوبة من الأزل والنصوص الدالة على كل واحد منهم كان له تكليف خاص فإن التكليف الخاص لا ينافي أن كل واحد منهم بحسب زمأنه كان يرى تكليفه الخاص ما قدر له لأن الغاية حفظ الشريعة فإن الامام الحسين (ع) على سبيل المثال لو كان يصالح يزيد كما صالح أخوه الحسن (ع) معأوية لاندرست الشريعة ولم يبق من الإسلام إلا رسمه فزمأنه يختلف عن زمان أخيه الحسن (ع) ويقوي هذا الموضوع الحديث المعروف عن النبي (صلى الله عليه وآله) إن الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا وعلى هذا كل ما وردت من النصوص في أن لهم وظائف خاصة وفي أنهم كانوا يعلمون بعاقبة أمورهم ومصيرهم في الحياة لا ينافي أن كل واحد منهم في زمأنه اختار تكليفاً عقلائياً لحفظ الشريعة كان مطابقاً للتكليف المقدر له ومما يشهد على أن الامام الحسين (ع) كان هدفه من القيام حفظ الشريعة وبقائها قبل أن يخرج من المدينة إلى آخر ساعة من حياته الشريفة في كربلاء، فنشير إلى بعض كلمات الامام (ع) باختصار حتى نقوي هذه النظرية.
الكلمة الأولى: قد زار بيت الله الحرام في أواخر حياة معأوية والتقى بالامام جمع من الشخصيات الإسلامية فخطب فيهم خطبة طويلة فجاء بهذا المقطع اللهم إنك تعلم أنه لم يكن ما كان منى تنافس في سلطان ولا التماس من فضول الحطام ولكن لنرد المعالم من دينك ونظهر الإصلاح في بلادك ويأمن المظلومون من عبادك ويعمل بفرائضك وسننك وأحكامك فإن هذه الخطبة واضحة جداً أن الغرض من قيامه حفظ الشريعة بل إحيائها.
الكلمة الثانية: ما اندرست في وصيته لابن الحنفية أني لم أخرج أشراً ولا بطراً وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر وأسير بسيرة جدي وبسيرة أبي على بن أبي طالب (ع) فإن أعظم مصداق للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ما كان إبقاء وإحياء للشريعة ولهذا الامام (ع) في هذه الوصية أكد على نقطتين سيرة أبي وجدي على خلاف سيرة الخلفاء الثلاثة ومعأوية ويزيد لأن سيرتهم أحيت الجاهلية واندرست الشريعة بها.
الكلمة الثالثة: ووردت في أحاديث متعددة الشهادة للامام (ع) بإحياء الدين وإبقائها في الزيارات المأثورة كما ورد في جملة من زياراته ولعله في أغلبها أشهد أنك قد أقمت الصلاة وءاتيت الزكاة وأمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر وتعني هذه الزيارة أن قيامك حفظ للصلاة والزكاة والشريعة بل أبقاها.
الكلمة الرابعة: وردت عليه جملة رسائل من شخصيات أهل الكوفة أجاب (ع) عن تلك الرسائل وفي جوابه ذلك المقطع فلعمري ما الامام إلا الحاكم بالكتاب القائم بالقسط الدائن بغير الحق الحابس نفسه على ذات لله وهذا الجواب كله تعريض لبني أمية ولشخص يزيد.
الكلمة الخامسة: في رسالة وجهها الامام (ع) إلى أهل البصرة وورد فيها أن أدعوكم إلى كتاب الله وسنة نبيه فإن السنة قد أميتت وإن البدعة قد أحيیت في نهاية الرسالة الامام يقول فإني أدعوكم إلى إحياء معالم الحق وإماتة البدعة.
الكلمة السادسة: ما ورد في خطبته التي ألقاها على جيش الحر أيها الناس إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال من رأى سلطان جائراً مستحلاً لحرم الله ناكثاً لعهد الله مخالفاً لسنة رسول الله يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان فلم يغير عليه بفعل ولا قول كان حقاً على الله أن يدخله مدخله، هذا بنحو القضية الحقيقية، بعدها الامام جاء وعدل إلى تطبيق هذه الرواية وهذه بنحو القضية الخارجية قال: ألا وإن هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان وتركوا طاعة الرحمن وأظهروا الفساد وعطلوا الحدود واستأثروا بالفيء وأحلوا حرام الله وحرموا حلاله وأنا أحق من غيري بذلك.
ولذا نجد في بعض زيارت الامام الحسين (ع) تأيیداً لهذه الخطبة أشهد أنك قد حللت حلال الله وحرمت حرام الله وأقمت الصلاة وءاتيت الزكاة وأمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر ودعوت إلى سبيلك بالحكمة والموعظة الحسنة.
الكلمة السابعة: التي جمعناها باختصار في زيارة الأربعين على لسان الامام الصادق (ع) وبذل مهجته فيك ليستنقذ عبادک من الجهالة وحيرة الضلالة.
السؤال الأول: إحياء الشريعة وحفظ الشريعة كان يمكن أن يتحقق بأحد الطريقين:
1- إسقاط حكومة بني أمية وتأسيس حكومة إسلامية عادلة.
2- قيام الامام (ع) المنتهي إلى الشهادة لأن شهادته كانت تكشف الحق عن الباطل وتهدي الناس إلى الصراط المستقيم وهو ابن رسول الله (صلى الله علية وآله) ومكانته الاجتماعية في المجتمع الاسلامي ومراتبه العلمية والمعنوية وليس إنسان عادي حتى أن قتله وشهادته يكون شيئاً معفواً عند عقول المسلمين.
اذا بعض علمائنا اعتقد أن الامام وقع في الشهادة كما تقدم في بعض النظريات وصاحب الجواهر ذكر هذه النكتة لاحتمال في نكاته وأنه لم يجد طريقاً آخر لأن الطريق الأول ما كان مقدوراً للامام وهو إسقاط الحكومة فاختار طریق الشهادة لأنه هو المتعين ولم يكن هناك طريق ثالث، ولكن هذه النظرية حسب النصوص الشرعية لم نوافق عليها لأنه تقدم أن الروايات صريحة دلالة وتامة سنداً في أن الامام اختار بين النصر والشهادة الشهادة وهي صحيحة عبد الملك ابن أعين المتقدمة فكان بإمكأنه أن يختار النصر وتشكيل الحكومة الاسلامية فلماذا اختار الشهادة؟
يمكن الإجابة عن هذا السؤال بثلاثة أوجه وهذه الأجوبة الثلاثة تقوي هذه النظرية السابعة
الوجه الأول: إن سيرة النبي (صلى الله عليه وآله) من يوم الذي بُعث لإرسال الشريعة وإبلاغها إلى الناس وسيرة أميرالمؤمنين (ع) في حياته بعد النبي ثلاثين سنة وكذلك سيرة الامام الحسن (ع) بل جميع الأئمة كانت على حفظ الشريعة كل واحد منهم بحسب حياته وزمأنه بالقواعد الطبيعية والسنن الإلهية على وجه الأرض لا بالمعاجز والكرامات لذلك وردت آيات صريحة في هذا المطلب من جملة الآيات قوله تعالى ( لا إكراه في الدين) فإن الإكراه قد يتحقق بعامل دنيوي وقد يتحقق بعامل معنوي وإعجازي وأکثر تصریحاً من ذلك قوله تعالى ( ولو شاء ربك لآمن في الأرض كلهم جميعاً) أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين ولكن الله ما نصر نبيه بالإعجاز لو كان ينصره بالإعجاز لما حدثت تلك الحروب والغزوات وما تحمله النبي من المصائب والبلايا.
نعم النبي (صلى الله عليه وآله) كان يستخدم الإعجاز ولكن في موارد خاصة في سنته على إرشاد وهداية الناس بالأمور الطبيعية.
الوجه الثاني: إن الامام (ع) كان بقيامه يقدر حفظ الشريعة لا فقط في زمأنه حتى بعده إلى يوم القيامة ويبقى خط مدرسة أهل البيت (ع) حافظاً للشريعة الإسلامية الأصيلة إلى يوم القيامة فكان قیامه نظرة مستقبلية أكثر مما كان نظرة فعلية وعصرية والحكومة كانت قائمة به وإصلاح لزمأنه فقط فكما أن حكومة أميرالمؤمنين (ع) أصلحت الأمة في الجملة في عصر الامام فقط ولكن بعد عصره لن يبقى شيء من معالم حكومته.
الوجه الثالث: إن الامام (ع) صرف النظر عن إسقاط الحكومه لأنه رأى حكومة أبيه وأخيه وإن الناس لا يطيعونه كما هو يريد لذلك وجد الطريق الوحيد في إحياء الشريعة أن يستشهد.
بسم الله الرحمن الرحيم
بناء على ما ذكرنا من أن قيام الامام الحسين (ع) كان على أساس على حفظ الشريعة وإحيائها في زمأنه وإبقائها إلى يوم القيامة فكان واجباً شرعياً فضلاً عن كونه واجباً عقلياً لأن الامام والحكمة في نصبه هو حفظ الشريعة وعلى هذا الأساس يكون قيامه قدوة لكل مؤمن مستضعف في الأرض بحيث يقتدي به (ع) في دفع الظلم ومواجهة الطغاة والجبارين ولكن يعتبر فيه تشخيص الموضوع وتطبيق الحكم على مصداقه في كل زمان إلى رأي الفقيه الجامع للشرائط لأنه يرى مصلحة الأهم في حفظ الشريعة فلا يجوز للعامي أن يقتدي بالامام الحسين (ع) ويبادر إلى القتال والشهادة من دون استيذان من الحاكم الشرعي وعلى هذا حفظ الشريعة في كل زمان يتناسب مع مقتضيات ذلك الزمان وتعيين مصداق الحفظ بتأسيس الحوزات العلمية بالتبليغ والإعلام الديني بطبع الكتب بتأسيس المساجد والحسينيات والمؤسسات والخروج ضد الحاكم الجائر ، كل ذلك يعود إلى تشخيص الفقيه الجامع للشرائط والإذن منه خاصة اذا كلف الحفظ مبالغ كثيرة من بيت المال وذهاب الأرواح والأنفس فأنه بلا شك يحتاج إلى إذن الحاكم الشرعية ورأيه في تشخيص الموضوع لأنه صاحب الولاية على الأموال والمسوق لأذهابها وقتلها فعلى هذا الأساس يطرح سؤال في المقام وهو أنه لماذا لم يبادر علمائنا في عصر الغيبة إلى القيام والقتال في وجه الحكام الجائرين وبعبارة أخرى يمكن طرح السؤال بهذه الصيغة أنه وردت نصوص نهت بشكل أكيد عن القيام وقد يقال أن هذه النصوص تقيد الوجوب الشرعية والعقلي في قيام أبی عبد الله (ع) وتحصره فقط لزمان الامام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) اذا يخرج هذا المصداق من حفظ الشريعة عن دائرة الوجوب ولكن سائر المصاديق من حفظ الحوزات العلمية وشؤوناتها يبقى على الوجوب وتأسيس المؤسسات الدينية ونشر علوم أهل البيت (ع) بقدر المستطاع.
والجواب عن هذا السؤال يتوقف على دراسة الروايات التي في المقام وأهمها ثلاثة روايات وإن كانت هي عدد أكثر من ثلاثة روايات ولكن العمدة فيها هذه الروايات الثلاثة.
الرواية الأولى ما رواه الكليني في الكافي عن محمد بن يحيى وهو من أجلاء الأصحاب عن أحمد بن محمد أيضاً من أجلاء الأصحاب ومن الثقات عن الحسين بن سعيد وهو أيضاً من الثقات عن حماد بن عيسى وأيضاً من الثقات عن الحسين بن المختار عن أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) قال كل راية ترفع قبل قيام القائم فصاحبها طاغوت يعبد من دون الله عز وجل الحسين ابن المختار ذكر النجاشي أن له كتاب والطوسي ذكر له كتاب وروو أصحابه عنه لم يرد فيها مدح ولا قدح وذكره العلامة أنه واقفي ورميه بالوقف لا يضر بوثاقته فبناء على أنه لم يرد فيها توثيق ليس وثقاً بناء على القول فيه قدح وله كتاب مدح ويكفي توثيق الرجل المدح وعدم القدح فتكون الرواية صحيحة ولكن لا نوافق هذا المبنى إلا اذا أوجب المدح وعدم القدح الوثوق بالرجل وليس القرائن تامة على الوثوق.
لذلك الرواية من حيث السند ضعيفة وإن كان عبر عنها بعض المحققين في زماننا بالصحيحة وجه الاستدلال بها أن المراد من الغاية الحكم والإمارة لأنه كلمة استعملت في روايات أهل البيت كناية عن الحكومة وهي معنونة بأدوار العموم وذلك تدل على كل حكومة تقام قبل حكومة الامام (عجل الله تعالى فرجه الشريف) يكون صاحبها طاغوت ويعبد من دون الله ولا يخفى أن هذه العبارة في الرواية يمكن أن تفسر بصيغتين:
الأولى: صيغة الإنشاء؛
الثانية: صيغة الإخبار.
ومن الواضح أن بصيغة الإخبار أدل على المطلوب من صيغة الإنشاء لأنها بصيغة الإخبار تكون من الإخبار الغيبية وتخبر عن المستقبل إلى زمان حضور الامام (ع) وعلى كل حال بصيغة الإنشاء يحرم القيام وبصيغة الإخبار يلازم حرمة القيام فتم الاستدلال بها ويمكن المناقشة في دلالتها لو تم سنده من وجوه:
الوجه الأول: إن هذه الرواية صدرت من الامام (ع) في عصر العباسيين والعباسيون كانوا دعاة الحق وكانوا يدعون أن حكومتهم حكومة شرعية وأنهم أولاد عم النبي (صلى الله عليه وآله) فلامام (ع) أراد أن يبين بهذا البيان أن هذه الحكومة مهما كان لها صیت إسلامي وشعارات إسلامية فهي ليست دولة الحق والعدل وهؤلاء طواغيت اذا بناء على هذا الوجه الرواية ناظرة إلى زمان بني العباس وتكون إجنبية عن المقام.
الوجه الثاني: المقصود من هذه الرواية يحتمل أن يكون أن الذي يقوم بالحكم اذا دعى لنفسه وطلب الحكم لنفسه يكون طاغوتاً ويعبد من دون الله اذا كل راية رفعت لأجل الدعوة إلى..........
بسم الله الرحمن الرحيم
كان كلامنا في الروايات التي استدله بها على عدم الشرعية القيام بالعدل في عصر الغيبة الكبرى ونخصص الكلام بالغيبة الكبرى لانقطاع الاتصال بالمعصوم (ع) فأما الغيبة الصغرى فهي بحكم عصر الحضور لوجود النواب الأربعة واتصالهم بالمعصوم (ع) مباشرة فكل ما يقال في عصر الحضور من حيث الجواز أو عدم جواز القيام أو وجوبه فيجري في عصر الغيبة الصغرى بلا فرق فالإشكال المطروح بحسب هذه الروايات هو فقط في عصر الغيبة الكبرى وقد ذكرنا أن عمدة هذه الروايات هي روايات ثلاثة والباقي منه إما ورد بمضمون هذه الثلاثة أو ما يقرب من مضمونها وقد تقدمت الرواية الأولى وناقشناها بالتفصيل الرواية الثانية ما رواها الفضل بن شاذان عن الحسن ابن محبوب عن عمر بن أبي المقدام عن جابر الجعفي عن أبي جعفر (ع) قال (ع) ألزم الأرض ولا تحرك يداً ولا رجلاً حتى ترى علامات أذكرها لك وما أراك تدرك ذلک؛ اختلاف بين فلان ومناد ينادي من السماء ويجيئكم الصوت من ناحية دمشق بالفتح والخسف في قرية من قرى الشام فإن الظاهر من الرواية حسب استدلال المستدل على الحرمة أن القيام منهي عنه للأمر بالقعود وهذا الأمر يستمر إلى ما يقرب من ظهور الامام (ع) ويمكن أن يناقش هذا الاستدلال.
أولاً: من حيث السند فالرواة الواقعون في سندها كلهم ثقات إلا رجلان الذان وقع الكلام فيهما الأول جابر الجعفي وحسب التحقيق وهو من الثقات والثاني عمر بن أبي المقدام الذي لم يثبت توثيقه عندنا لجهالته وحتى على مبنى الوثوق توثيقه مشكل جداً وإن كنا بنحو الموجبة الجزئية نوافق مبنى الوثوق.
ثانياً: من حيث الدلالة فإن الرواية يحتمل ثلاث احتمالات وعلى فرض عدم ظهورها في واحدة منها فإن وجود هذه الاحتمالات يضعف الاستدلال بها.
1- إن الرواية قضية في واقعة وأمر الامام (ع) كان لأصحابه وشيعته في زمانه بنحو القضية الخارجية لا بنحو القضية الحقيقية لمصالح كان يراها في عصره وبما أن الروايات والعلامات آخر الزمان كانت شائعة في عصر الصادقين (ع) كانوا الشيعة يتوقعون أن الظهور قريب جداً وكانوا يتمنون القيام بأسرع وقت فجاء هذا الأمر من الامام أن هذا ليس وقته.
إن المراد منها إلزام الشيعة بالتقية لذلك جملة من فقهائنا ذكروها في باب التقية والمقصود من التقية هنا ليست التقية في الأحكام وإنما التقية معارضة الحكام.
2- إن الرواية ناظرة إلى من يطلب الحكم لنفسه وإن من يطلب الحكم لله وللحق فهو الامام المهدي (ع) فالرواية في مقام نصيحة الشيعة أنه لا تتبعون هذه الروايات أو من تقوم مقامها لأنها قد تقوم بنداء الحق ولكن ورائها باطل فتكون هذه الرواية قريبة المضمون للرواية الأولى.
3- الرواية الثالثة صحيحة عمر بن حنظلة قال سمعت أبا عبد الله (ع) يقول خمسة علامات قبل قيام القائم؛ الصيحة والسفياني والخسف وقتل النفس الزكية واليماني قلت: جعلت فداك إن خرج أحد من أهل بيتك قبل هذه العلامات لنخرج معه قال : لا ، هذه الرواية من حيث السند صحيحة عندنا لتوثيقنا لعمر بن حنظلة من باب الوثوق لا من باب التوثيق لفقدانه الشهادة على التوثيق ولكن لشهرته العظيمة وأحاديثه من باب القضاء وتعارض الإخبار وفي هذا المقام نوثق الرجل وإما من يحث الدلالة فيحتمل فيها عدة احتمالات
1- إن الرواية من أدلة التقية في باب الحكم والإمارة كما حملها واستدله بها من باب التقية
2- إنها كناية عن عدم حصول النتيجة من القيام بنحو الإنشاء كما تقدم في الرواية الأولى أو بنحو الإخبار
3- إنما يخرج من أهل بيتك إما مدعي للإمامة فلا شك خروجه حرام لأنه يدي ما ليس حق فيها وإما يخرج لطلب الحق وتسليمه إلى أهله فهو لا يتمكن من الوصول إلى الحق أو اذا تمكن إلى حدما فأنه يقع في زحمة الشهادة والقتل والبلاء كما ورد في جملة من النصوص هذا المعنى وغرض الامام (ع) من النهي عدم وقوع الشيعة في هذه المصائب.
إلى هنا انتهينا من هذه الروايات باختصار وحاصل الكلام أنه لايستفاد من هذه النصوص أن الخروج للعدل مع الشرائط المتوفرة شرعاً على الحاكم الشرعي حرام تعبداً في عصر الغيبة الكبرى.
بسم الله الرحمن الرحيم
ذكرنا في البحث السابق أنه لايستفاد من الروايات التي عن القيام أن القيام في عصر الغيبة الكبرى حرام اذا كان القائم طالباً للحق ويريد العدل وإحياء الشريعة ويطرح هنا سؤال وهو إن قيل أن القيام وإن كان جائزاً ولكن يوجب أذي وابتلاء الشيعة فيكون حراماً بعنوان وقوع الشيعة في الفتن والبلايا لا بعنوان أنه في نفسه حرام كما طرحناه في السؤال السابق وهو السؤال الثاني كان ، فهذا السؤال الثالث عبارة عن أن القيام جائز ولكن خوف من وقوع الشيعة من البلايا والمكروهات لا يجوز القيام وإن دعيت بهذا المقام بأنه هناك روايات تدل عليه منها ما رواها المتوكل ابن هارون في مقدمة الصحيفة السجادية عن الامام الصادق (ع) ولأن الصحيفة السجادية خمس وسبعون خطبة من خطبها منقولة عن لسان الامام الصادق (ع) ورواها هذا الرجل فينقل الحديث عن الامام ثم يبدأ بتلك الخطب والحديث الذي ينقله عن الامام في مقدمة الخطب أنه قال (ع) ما خرج ولا يخرج منا أهل البيت إلى قيام قائمنا أحد ليدفع ظلماً أو ينعش حقاً إلا اصطلمته البلية وكان قیامه زيادة في مكروهنا وشيعتنا فإن التعليل في هذه الرواية عام ويشمل كل من قام ليدفع ظلماً أو ينعش حقاً ولا يرد على هذا الحديث ما أوردنا هو على الأحاديث السابقة بأنه ناظر إلى راية الظلم والجور لأن الحديث صريح في القيام في دفع الظلم وانتعاش الحق والامام (ع) علله بالبلية والزيادة في مكروهنا ومكروه شيعتنا ويمكن مناقشة هذا الحديث.
1- الرواة الذين وقعوا في سند هذا الحديث مجاهيل وبالخصوص المتوكل بن هارون لم نجد له أي ترجمة عن الرجاليين وعند الفقهاء أيضاً وحسب التحقيق أيضاً لم نجد رواية أخرى بمضمون هذه الرواية فدعوه المستدل أن هناك روايات تدل على هذا التعليل غير مقبولة.
2- لو سلمنا بها بناءً على شهرة الصحيفة السجادية وانحصار نقل الطريق فيها في المتوكل وإن الشهرة تجبر ضعف سندها فإن هذه الرواية أسندت القيام إلى المعصوم لقوله منا أهل البيت فاذا يكون مدلولها إنا مأمورون بالصمت والتقية إلى قيام قائمنا فليس مفادها أن الشيعة اذا تمكنوا من القيام وإقامة العدل بعد عصر الحضور لا يجوز لهم القيام إلا أن يقال بوحدة المناط وإن الملاك واحد ولكن دعوا وحدة المناط قائمة على أن الرواية في مقام الإنشاء لا في مقام الإخبار مع أن ظاهرها الإخبار وبالجملة فإن في دلالتها ولو احتمال هذا الإخبار أو اختصاص الرواية بالمعصومين يسقط الاستدلال بها على الحرمة.
السؤال الرابع الذي يطرح في المقام أنه جهاد الامام الحسين (ع) كان دفاعياً أو ابتدائياً حسب كلمات الفقهاء اشتهر تقسيمان في الفقه الشيعي لمسألة الجهاد:
التقسيم الأول: إن الجهاد ينقسم إلى الجهاد الابتدائي وهو الذي ينطلق لإرشاد وهداية الكفار والمشركين وتوسعة دائرة الإسلام على وجه الأرض.
القسم الثاني: الجهاد الدفاعي وهو الجهاد الذي يقوم به المسلمون عندما يهاجمهم العدو في الدفاع عن بلادهم وبيوتهم وأنفسهم وأعراضهم وأموالهم ويسمى في اصطلاح الفقهاء بالجهاد الدفاعي ثم توسع هذا المفهوم الفقهي إلى قسمين آخرين ولذلك نجد الآن في الكتب الفقهية أربعة أقسام في الجهاد.
القسم الثالث: جهاد البغاة والمراد منه قاتل من باغية وخرجة على إمامة المسلمين المشروعة إمامته وبتعبير البعض في الكتب ، الفقيه الحاكم العادل وأظهر مصاديقه الحروب الثلاثة التي ابتلی بها أميرالمؤمنين (ع) في عصره.
القسم الرابع: الجهاد الدفاعي عن حريم الشريعة وقوانينها ومفاهيمها وهذه الجهة الرابعة يختلف عن الثلاثة الأولى في أنه لا يختص بالقتال مع أن كلمة الجهاد عادةً يراد منها القتال بالسيف فقد يكون جهاد بالقلم وبمواقف غير قتالية للدفاع عن الشريعة أما القسم الأول فمشروط بشرطین أساسيین اشتهر في كلمات الفقهاء.
1- القدرة على الهادی من حيث العِدة والعُدة.
2- إذن الامام المعصوم (ع) نعم هناك قول لجمع من الفقهاء أن ولي الفقيه يجوز له الأمر بالجهاد الابتدائي.
أما جهاد البغاة فلم يشتهر في الكتب الفقهية أنه مشروط بإذن الامام المعصوم (ع) لذلك الأقسام الثلاثة الأخرى ليست مشروطة بهذين الشرطين؛ هذا هو الفرق الأول.
الفرق الثاني ، أن الجهاد بمعنى القتال حسب النصوص الشرعية في بحث الجهاد ليس واجب على النساء والاطفال والمجانين وذوي الاعذار ولكن في الجهاد الدفاعي أي القسم الثالث والرابع سواء على مستوى القتال أو غير القتال فأنه واجب على الجميع اذا لم يكن من به كفاية موجود من الرجال خصوص القسم الرابع فان القسم الرابع هو الجهاد في الدفاع عن الشريعة عام لأنه لا ينحصر في مصداقه عن القتال كما يصرح جمع من الفقهاء من المعاصرين وإنما جهاد بجميع ما يكن الدفاع به عن الشريعة لذلك يجب على النساء أيضاً الدفاع عن الشريعة ومن هنا نجيب عن السؤال الخامس وهو أنه لماذا اصطحب الحسين (ع) أهل بيته في كربلاء فإن الامام (ع) حسب ما تقدم عن النظرية السابعة جهاده جهاد دفاعي للدفاع عن الشريعة من اندراسها وانحرافها فكان يجب على جميع المسلمين أن يتبعوه رجالاً ونساءً ولهذا أخذ النساء معه حتى يقومونه بدور الإعلام ولو كانوا قادرين على القتال لقاتلوا ومن هذا المنطلق نعتقد أن تأسيس الحوزات العلمية والمؤسسات الدينية للتعليم ونشر علوم أهل البيت (ع) وطبع الكتب وتربية الشباب المؤمنين للتفقه في الدين من مصاديق الجهاد الدفاعي ولذلك نجد في كلمات فقهائنا عادةً وغالباً ودائماً في عصر الغيبة الصغرى أن حفظ الحوزة والعلوم الإسلامية من أهم الواجبات وأنه لو لا الحوزات العلمية لاندرس الدين ونذكر كلام كاشف الغطاء هنا لأن له كلام رائع في المقام ويذكره بالمناسبة في شرحه على القواعد العامة في مسألة حفظ كتب الضلال يقول إن حفظ كتب الضلال حرام لا يعذر فيها صاحبه وكذا كل كتاب اشتمل على قدح مؤمن أو أذی مسلم ولو مع الامن عن ترتب الضلال والفساد بل يجب إتلافها كلها إن لم يمكن عزل الضلال منها ممكناً إلى أن يقول إن الجهاد بالأقلام أعظم نفعاً من الجهاد بالسهام وحيث أن مقصد الشرع فيها الإبطال كان الأقوى في حصوله الرد بطرق الاستدلال.
ونذكر الروايات التي تقوي هذا المفهوم في حديث عن الامام الباقر (ع) أنه ذكر الذين حاربهم علي (ع) فقال أما أنهم أعظم حرب ممن حارب رسول الله قيل له وكيف ذلك يا ابن رسول الله قال لأن أولئك كانوا جاهلية وهؤلاء قرأوا القرآن وعرفوا فضل أهل الفضل وءاتوا ما ءاتوا بعد البصيرة.
في حديث آخر عن أميرالمؤمنين (ع) أنه قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) إن الله كتب على المؤمنين الجهاد في الفتنة من بعدي كما كتب عليهم جهاد المشركين معي فقلت يا رسول الله وما الفتنة التي كتبت علينا فيها الجهاد ؟ قال : فتنة قوم يشهدون أن لا اله إلا الله وأني رسول الله وهم مخالفون لسنتي وطاعنون في ديني فقلت فعلى ما نقاتلهم يا رسول الله وهم يشهدون أن لا اله إلا الله وأنك رسول الله فقال على إحداثهم في دينهم وفراقهم لأمري واستحلالهم دماء عترتي .
بسم الله الرحمن الرحيم
كان كلامنا في مقام الإجابة عن سؤال طرحناه وهو مع كفاية الأدلة من أدلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأدلة إقامة العدل وأدلة القضاء وإرشاد الجاهلين والدفاع عن الشريعة وحفظها لماذا لم يبادر الفقهاء في عصر الغيبة الكبرى إلى تأسيس الحكومة الإسلامية فإن تأريخ علماء الشيعة يشهد على أن معظمهم تركوا الحكم بل قد يدعى الكثير منهم مع وضوح هذه الأدلة خصوصاً مع وجوب الخروج عند الامام الحسين (ع) حفاظاً على الشريعة وبقائها وفي الجواب عن هذا السؤال الذي مهم ومطروح أيضاً في أوساطنا في هذا الزمان يمكن يجاب بأن موقف علمائنا من هذه الأدلة حسب تتبع كلماتهم يبرز في سبعة مواقف:
الموقف الأول: وهو المشهور بين الأخبارين ووافقهم جمع من الأصوليين من تحريم القيام وتأسيس الحكومة الإسلامية قبل ظهور الامام (ع) واستندوا في هذا الموقف على ستة طوائف من الروايات وقد أشرنا إلى أكثرها فيما سبق وناقشناها ولكن نذكرها بإيجاز.
الطائفة الأولى اعتمدوا على عموم وإطلاق أدلة التقية خصوصاً في إقامة الحكومة يكون حرب وقتال مع الحكام الجائرين.
الطائفة الثانية التي اعتمدوا عليها الروايات التي نهت عن القيام وتقدم منها صحيح أبي بصير وتقدم النقاش فيها.
الطائفة الثالثة روايات صرحت بأن النصر لا يحالف القائم في قيامنا كمرفوعة حماد بن عيسى وحديث أبي الجارود المشهور فستنبط هؤلاء من هذه الروايات أن القيام زحمة وتعب بلا فائدة بل يلزم منها حرمة القيام لأن الخسائر التي ترد من وراء القيام مع العلم بعدم النصر تشكل ملاك الحرمة.
الطائفة الرابعة الروايات التي أمرت بوجوب الانتظار كما تقدم في حديث أبي بصير والأشهر من حديث سدير حيث ورد فيه ألزموا أحلاس بيوتكم حتى يظهر الطاهر ابن الطاهر المطهر ذو الغيبة ، الشريد الطريد.
الطائفة الخامسة روايات نهت عن الاستعجال في القيام وأمرت بالصبر كحديث أبي مرهب عن الامام الصادق (ع) وحديث الفضل بن سليمان.
الطائفة السادسة الروايات التي منعت عن متابعة من قام قبل ظهور القائم كمقبولة عمر بن حنظلة التي تقدم ذكرها تفصيلاً وهذه خلاصة أدلة القائلين بالموقف الأول وعلى رأسهم الأخباريون وقد تقدم المناقشة في دلالة هذه الطوائف فإن المناقشة الطلالية تجري في جميع هذه الطوائف الستة مضافاً إلى أن كثيراً منها غير روايات التقية ضعيفة السند وأما التقية فلها مجال خاص من البحث بحثناها مفصلاً من القواعد الفقهية ولا يستفاد من أدلتها على حرمة القيام على الإطلاق إلى ظهور الامام (ع) .
الموقف الثاني: هو موقف جمع من الأصوليين وعلى رأسهم في القرون المتأخرة الشيخ الأنصاري فقد ذكره الشيخ في المكاسب إنما يتصور للفقيه الجامع للشرائط من المناصب ثلاثة مناصب؛ الأول الإفتاء ، الثاني القضاء ، الثالث إدارة عموم المسلمين ويقصد من الإدارة يعني الحكومة والأدلة الشرعية لثبوت الإفتاء والقضاء تامة ولكن لثبوت الحكومة قاصرة اذ لم يثبت في الأدلة الشرعية أن للفقيه له استقلالية في التصرف في أموال الناس وأنفسهم كما أنه لم يتم عندي دليل على وجوب إطاعة الفقيه كل الامام المعصوم إلا ما خرج بدليل خاص كل طلاق الولائي وعزل المتولي في الموقوفات أو عزل ونحو ذلك ومن الموافقين للشيخ الأنصاري من الأعلام الأصوليين هو المحقق النائيني لأنه من القائلين بالمشروطة وكل من ذهب إلى المشروطة في الواقع يوافق مبنى الشيخ الأنصاري لأن شرعية المشروطة مبنية على رأي الشيخ من عدم الثبوت الولاية للفقيه في الحكومة الإسلامية وبناء على هذا الموقف لا يحرم إقامة الحكم والحكومة الإسلامية ولكن لا يجب ولا وجه لمبادرة الفقيه إلى ذلك نعم يمكن أن يقال أن أصحاب هذا الموقف يستشم من كلماتهم عدم الشرعية في إقامة الحكم بمعنى الحرمة ولا يخفى أن عدم الشرعية لا يلازم الحرمة فإن الحكومة قد لا تكون لها شرعية في نظر الفقيه ولكن من جهة أخرى لا يفتي بحرمة إقامة الدولة الإسلامية وظاهر كلام الشيخ في المكاسب عدم الشرعية فقط فهذا الموقف يختلف عن موقف الأخباريين فأنهم يصرحون بحرمة إقامة الحكومة حسب الروايات.
الموقف الثالث: وهو شرعية القيام وإن الأدلة كافية لتثبيت الحكومة الإسلامية وذهب إلى هذا الموقف جمع من الفقهاء والأصوليين من أبرزهم الشيخ جعفر كاشف الغطاء أستاذ الشيخ الأنصاري لذلك مناقشة الشيخ الأنصاري في المكاسب هي في مناقشة أستاذه وصاحب الجواهر وملة أحمد النراقي فهم يعتقدون بثبوت الولاية للفقيه وأن حكومته شرعية لذلك اذا كانت عنده القدرة يجب عليه القيام وكلمات هؤلاء منصبة على مقبولة عمر بن حنظلة وأن المستفاد منها أن النياب عن الامام على قسمين:
النيابة الخاصة وهي تحصرت على النواب الأربعة.
النيابة العامة للفقهاء في عصر الغيبة.
واختلفوا أصحاب هذا الموقف خصوصاً بعد انتصار الثورة الإسلامية في ايران إلى قولين.
الأول: إن ولاية الفقيه انتصابية.
الثاني: إن ولاية الفقيه انتخابية فإن السيد الامام ومن المعاصرين الشيخ مكارم الشيرازی والشيخ الصافي الكلبايكاني يذهبون إلى أن الولاية انتصابية أعني أنه حسب مقولة عمر بن حنظلة الامام (ع) في عصر غيبته نصب الفقهاء مقام حضوره فلهم ما له من الولاية من الأموال والأنفس.
القول الثاني وهو الولاية الانتخابية والمقصود منها أنه اذا صوت المؤمنون والمسلمون لحكومة الفقيه والثمرة بين القولين من الناحية الشرعية والفقهية أنه بناءً على الأول يجب على الفقيه أن يبادر لإقامة الحكومة لأنه منصوب من قبل الامام ووظيفته إقامة الدولة وخدمة المجتمع حتى الناس اذا لم يصوتوا له فيجب عليه السعي فاذا أطاعوه وتوفقه قام بالحكم الشرعية وإلا فقد أدى تكليفه إما بناء على القول الثاني وهو الولاية الانتخابية لا تجب على الفقيه المبادرة وإنما تجب عليه إقامة الحكم اذا رجعوا الناس إليه ومن أقوی أدلتهم موقف أميرالمؤمنين (ع) في الخلافة فإن الامام لولا مراجعة المسلمين له لما استلم الحكم والخلافة الظاهرية.
بسم الله الرحمن الرحيم
الموقف الخامس: من مواقف الفقهاء حول تركهم لقيام الدولة الاسلامية هو موقف مبني على شرعية ولاية الفقيه وإن الفقيه له حق أن يشكل دولة إسلامية ولكن بشرط أن يكون له قدرة على القيام والقدرة على إدارة البلاد لأن القدرة على القيام عادة تكون منفصلة عن قدرة إدارة البلاد لأن لا ملازمة بينهما ولعله يقال أن أغلب الفقهاء الذين كان رأيهم كرأي صاحب الجواهر وكاشف الغطاء وملة أحمد النراقي وغيرهم أغلبهم تركوا هذا القيام لأنه لم يروا في أنفسهم القدرة على هذا القيام ولا القدرة على إدارة البلاد لأنه لا شك ولا ريب القدرة على أصل القيام ولا شك ولا ريب أن إدارة البلاد تحتاج إلى عقلية عظيمة وليس شأن كل إنسان وإمكان فقيه أن يدير البلاد وأن لا يقع ظلم تحت حكومته أو يدير على أقل تقدير بأحسن الوجوه.
الموقف السادس: أنه جمع من الفقهاء كانوا يرون ثبوت ولاية الفقيه في الجمله وإن تشكيل الحكومة جائر ولكن منعهم من تشكيل الحكومة قاعدة الاحتياط لأنهم كانوا يعلمون في إقامة الحكومة إراقة الدماء وهتك الحرمات وتضييع أموال المسلمين والشارع المقدر احتاط في هذا الأمور الثالثة ما لم يحتاط في غيرها فما أقاموا الحكم مع أن الحكم كان مشروعاً عندهم نعم اذا كان يثبت عندهم إن إقامة الحكم أهم ملاكاً من هذه الأمور الثلاثة في نظر الشارع كان يقيمون ولكن ما وصلوا إلى هذه النتيجة وإنما عالجوا موضوع وجوب الشريعة بأساليب أخرى من بث علوم أهل البيت (ع) من تأليف الكتب وتأسيس الحوزات والمؤسسات الدينية وبعض المعاصرين رأيهم في هذا الموقف .
الموقف السابع: الذي أيضاً من المواقف المهمة جداً في سيرة علمائنا رحمة الله عليهم جميعاً هو موقف التقية فمعظمهم عاشوا تحت بياض السيوف والحكومات الجائرة وحتى إن بعضهم ترك القضاء للتقية وبعضهم ترك الإفتاء في بعض الأزمنة خصوصاً في المسائل التي كانت تمس جوهر أو بعض قوانين الدولة الجائرة فكانوا يتركون الإفتاء فضلاً عن القضاء فكيف كانوا يتجرأون لقيام الدولة والتأريخ يشهد على أدوار التقية الشديدة التي عاشها علمائنا حتى إن الكثير منهم هاجروا من وطنه لأجل التقية أو كان ينتقل من بلد إلى بلد من أجل التقية وهكذا فما كانت الظروف متأتية معهم أنهم يفكرون في الدولة الإسلامية وإسقاط النظام الجائر ونحو ذلك وهذا بلا شك له مصاديق في الدول الإسلامية فإن الكثير من العلماء والفضلاء هم الان في إطار التقية الشديدة بحيث أنه لا يتمكن أن يخرج عن إطار التقية والفقيه الذي يرد أن يشكل الحكومة الإسلامية من مقدمات تشكيل الحكومة الإسلامية أن يخرج عن موضوع التقية فاذا رأى نفسه في موضوع التقية فلا وجه للقيام هذه خلاصة المواقف السبعة التي يمكن أن نوجه بها ترك فقهائنا في عصر الغيبة للحكومة الإسلامية وبناء على هذا لكل موقف حجج وأدلة وليس كلامنا في مناقشة تلك الأدلة وإنما ذکرنا في ما سبق أن الأدلة على جواز القيام بل في وجوب القيام كافٍ والقيام شرعي إلا أنه ملاك القيام هو حفظ الشريعة والحفظ في كل زمان وفي كل مكان لا يتمثل بقيام الدولة الإسلامية لأن الحفظ له مصاديق كثيرة وأساليب متنوعة ومن أهم أساليب للحفظ ومعظمها الذي هو في عرض الدولة الإسلامية وليس أقل من الدولة حفظ التراث الشيعي وحفظ المدارس والحوزات العلمية ويشهد على ذلك لولا هذا التراث والتعب الجهادي الذي تحملوه فقهائنا طول الغيبة الكبرى ما كان عندنا شيءٌ من أهل البيت (ع) .
بسم الله الرحمن الرحيم
السؤال السادس الذي يطرح في قضية عاشوراء حول المسائل الفقهية فيها هو أن المشهور عند أرباب المقاتل أن الامام الحسين (ع) في ليلة العاشر أجاز لأهل بيته وأصحابه بالانصراف فاذا كان قيامه جهاداً ابتدائياً قد يقال أنه يجوز الامام ان يرخص المجاهدين ويعفوا عنهم في الجهاد ولكن الجهاد الابتدائي واجب كفائي اذا لم يكن من به الكفاية موجوداً لا وجه للترخيص لأنه ترك للواجب العيني واذا كان جهاد الامام دفاعياً فبطريق أولی لا يجوز لأحد أن يرخص المجاهد عن الجهاد في الجهاد الدفاعي العيني فما هو التخريج الفقهي لموقف الامام (ع) .
يجب أن نذكر كلام الامام (ع) فإن المنقول في الكتب التأريخية مضمون خطبتين:
الخطبة الأولى وجه الامام الخطاب إلى أهل بيته الذي يذكر هذه الخطبة السيد ابن طاووس (رحمة الله عليه) حيث قال (ع) في ليلة العاشر من محرم:
أما بعد فإني لا أعلم أصحاب أصلح منكم ولا أهل بيت أبر وأفضل من أهل بيتي فجزاكم الله عني خيراً وهذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملاً وليأخذ کل رجل منكم برجل من أهل بيتي ثم تفرقوا في البلاد حتی یفرج الله وهؤلاء القوم فإنهم لا يريدون إلا غيري.
فقال له إخوته وأبنائه وأبناء عبد الله بن جعفر: لم نفعل ذلك لنبقى بعدك لا أبقانا الله أبداً.
بدأهم بذلك قول العباس بن علي (ع) ثم تابعوه وهذا على نقل بن طاووس.
على نقل بن شهر آشوب هكذا جاءت النسخة:
وإني قد أذنت لكم فأطلقوا جميعاً في حل ليس عليكم مني ذمام هذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملا وليأخذ كل رجل بيد رجل من أهل بيتي وتفرقوا في سوادكم ومدائنكم فإن القوم إنما يطلبونني ولو قد أصابونني لو عن طلب غيري فأبوا ذلك كلهم.
ينبغي هنا أن ندخل في مبحث الجهاد وأبحاثه الخمسة تفصيلاً حتى يتبين أن كلام الامام (ع) مبني على أي دليل فقهي المشهور بل المجمع عليه عند فقهائنا أن الجهاد واجب في الشريعة بل قام إجماع المسلمين شيعة وسنة على أن الجهاد واجب وأدلة وجوب الجهاد مذكورة في محلها بالتفصيل من الآيات والروايات المتواترة مضافاً إلى ذلك عندنا أدلة من الآيات والروايات تدل على حرمة الفرار وعلى حرمة الزحف وأنه لا يجوز للمجاهد أن يترك ميدان الجهاد وبالملازمة يجب عليه الثبات مع أن الامام (ع) حسب الخطبة المعروفة ظاهر الخطبة أنه ما كان واجب عليهم الثبات لأن الامام رفع بيعته عنهم ورفع ذمته عنهم ليلة العاشر فإذا هل أنهم لو كانوا يقبلون كلام الامام كان من الزحف الحرام أو من الفرار الحرام أو أنه حسب ظهار الامام ما كان عليهم شيء وما كان يعاقبون لذلك فقهائنا في مسألة حرمة الزحف اختلفوا وهناك صور مختلفة للمسألة لهذا لا بد أن نبين تلك الصور مع أدلتها حتى نعرف أن أصحاب الامام وأهل بيته لو كانوا يستجيبون لدعوته وكانوا تركه هل فعلوا حراماً أو أنهم كانوا مخيرين بين البقاء والذهاب وهذا مهم جداً أن بحثنا يدخل في أي صورة من صور الزحف ؟
حسب التتبع في كلمات الفقهاء وجدنا ثلاثة وأضاف البعض أربعة صور للزحف فقهياً.
الصورة الأولى الحرمة.
الصورة الثانية كراهة.
الصورة الثالثة الاستحباب.
الصورة الرابعة الوجوب.
فأصحاب الامام وأهل بيته يدخلون في أي صورة من هذه الأربعة الذي الامام خاطبهم بالإذن وإجازة الرحيل.
أما الصورة الأولى وهي صورة الحرمة فالمشهور بين أصحابنا أنه لو جاهد المسلمون الأعداء وكان المسلمون مئة والأعداء مئتین يحرم الفرار ويجب الثبات للآية الشريفة الصريحة في هذا العدد لذا كل استفادة الفقهاء من هذه الآية هذا العنوان أن العدو اذا كان ضعف المسلمين أو أقل يجب على المسلمين الثبات ويحرم عليهم الفرار وترك الميدان واستدلوا بالآيات من جملتها:
قوله تعالى: (يا أيها الذين ءامنوا اذا لاقيتم الذين كفروا زحفاً فلا تولوهم الأدبار) نهي والنهي ظاهر في الحرمة التكليفية.
الآية الثانية: (من يولهم يومئذ دبره إلا متحرفاً لقتال أو متحيزاً إلى فئة فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير).أنفال/16
الوجه الثاني النصوص المستفيضة التي صريحة في حرمة الزحف وادعی صاحب الجواهر رحمة الله عليه بأنها بالغة عدد التواتر نشير إلى بعضها باختصار منها مارواها الكليني عن أميرالمؤمنين (ع) وقد ورد فيها وليعلم المنهزم أنه مسخط ربه وموبق نفسه.
في رواية أخرى عن محمد بن سنان أن أبا الحسن الرضا (ع) كتب إليه فيما كتب من جواب ورد هذا النص حرم إلا الفرار من الزحف لما فيه من الوهن في الدين والاستخفاف بالرسول والأئمة العادلة وترك نصرتهم على الأعداء وترك إليهم على ما ادعوا الإقرار بالربوبية وترك العدل وإظهار للجور وإماتة للحق وغيرها من الروايات.
القائلون بالجواز استدلوا بأربعة وجوه:
الوجه الأول: إن مقتضى النص هو الجواز والمراد من الأصل البراءة العقلية والشرعية لأن المجاهد يشك في أنه يحرم عليه الفرار أو لا ؟ ویشك في أصل التكليف أو يجب عليه الثبات أو لا ؟ ومقتضى أصالة البراءة عدم الوجوب وعدم الحرمة ولكن هذا الوجه ضعيف جداً لأن الرجوع إلى الأصل العملي بعد فقدان الأدلة الاجتهادية وكيف تغض البصر عن عمومات وإطلاقات والأدلة المؤكدة والمرغبة في الجهاد ونحكم هنا بعدم حرمة الفراغ بمقتضى الأصل فإن مقتضى الصناعة أن نرجع إلى العمومات والإطلاقات في مقام الشك لأن فرض الكلام أن الموضوع محقق وهو أن الجهاد موجود إما بإذن الامام المعصوم أو نائبه الخاص أو نائبه العام اذا ليس من الصحيح الرجوع إلى الأصل العملي.
الوجه الثاني: الذي مذكور في بعض الكلمات هو أن قوله تعالى (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) يقتضي جواز الفرار لأن هذا المسلم يرى أن العدو ضعفه أو أقل من الضعف فالقتال معه ينتهي إلى الموت والله تعالى قال (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) ويمكن أن يناقش هذا الوجه.
أولا: إن القتل في سبيل الله وفي مقام الجهاد خارج عن موضوع التهلكة تخصص والآية منصرفة عنه تماماً.
ثانيا: لو سلمنا أن آية التهلكة يشمل القتل وباب الجهاد فإن أدلة الجهاد بلا شك حاكمة على الآية ومن ضمنها آيات الجهاد ومتقتى الحكومة إن الجهاد وإن كان تهلكة تكويناً ولكن تشريعاً سعادة وليس تهلكة.
الوجه الثالث: دعوا قاعدة الحرج وأن القتال مع العدو الذي عدده ضعف المسلمين أمر حرجي وقاعدة الحرج من القواعد العقلية لا تخصص ويمكن التأمل فيه أن قاعدة الحرج مع ما يدل على شرعيتها أيضاً محكومة بأدلة الجهاد بل قد يقال وهو الصحيح أن الجهاد مبني على الحرج لأن الجهاد بمعنى القتال غالباً وعادةً صعب جداً فمستلزم للحرج فلو التزمنا بحكومة قاعدة الحرج على علقة الجهاد كما هو ديدن الفقهاء في سائر الأبواب الفقهية استلزم تعطيل الجهاد اذ قلما نجد أن الجهاد لا يقارنه الحرج.
الوجه الرابع: إن أكثر الواجبات الشرعية يسقط عن الوجوب الظن بالهلاك وفي المقام المجاهد الذي يرى العدو ضعف عدده وضعف عدد أصحابه يظن بالهلاك فيسقط وجوب الجهاد مثلاً في كتاب الصوم اذا ظن المكلف بالهلاك لا يجب عليه الصوم في باب الحج اذا ظن بالهلاك يسقط عنه وجوب الحج كذلك في باب الجهاد وهذا الوجه أيضاً ضعيف.
1- الظن بالهلاك في سائر الأبواب الفقهية المسقط للتكليف الشرعية منصوص في الأدلة الشرعية كما في باب الصوم في باب الحج في باب إنفاق على الزوجة والعيال وغير ذلك من الأبواب وفي باب الجهاد لم يكن نص على السقوط ؟
2- إن الأدلة في باب الجهاد ترغب المجاهد في القتال ومقتضى الترغيب فيها أنه حتى مع الظن بالهلاك أن الجهاد راجح بل واجب كقوله تعالى (كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة).
وأيضاً الآيات والروايات الكثيرة التي واعدة بالنصر فمع النصر الإلهي كيف يحصل للمجاهد الظن بالهلاك وبائن على هذا الدليل الرابع أيضاً ضعيف ، تحصل أن في الصورة الأولى وهي إن فئة المسلمين أقل من نصف فئة الكافرين أو إن فئة الكافرين ضعف فئة المسلمين فلا يجوز الفرار.
الصورة الثانية إن عدد المسلمين أقل بالنسبه إلى الأعداء من الصورة الأولى فإن الأعداء يزيدون عليهم على الضعف وأكثر وهذه الصورة وقعت محل خلاف بين فقهائنا أنه هل يجوز الفرار أو يحرم أو يستحب الثبات ويكره الفرار المشهور بين فقهائنا جواز الفرار وعدم وجوب الثبات كما صرح بذلك جمع منهم كشيخ في المبسوط وابن البراج في المهذب وابن السعيد في جامع للشرائع والعلامة في التحرير أنه يجوز للمجاهد أن يفر ولا يجوز عليه الثبات استدلوا بالأصل وهو أصالة البراءة وبانتفاء الشرط المستلزم لانتفاء المشروط ومرادهم من الشرط ما تقدم في الصورة الأولى أن يكون عدد الأعداء ضعف المسلمين أو أقل فالآيات والروايات ناظرة إلى هذا العدد المعين في الجهاد أما اذا كان العدد أقل فلا يجب عليهم الثبات.
في قبال هذا القول المشهور يوجد قول آخر بأن الثبات واجب ولا أقل مستحب أما الوجوب فبمقتضى عمومات وإطلاقات أدلة الجهاد إن ادعينا انصرافها إلى الصورة الأولى والعدد الذي ذكرناه سابقاً فلا أقل إن الثبات مستحب والزحف مكروه لأن الجهاد باب من أبواب الجنة والسعادة الأبدية فلماذا لا نقول برجحان الثبات واستحبابه من القائلين بهذا الرأي نشير إلى مصادرهم هو العلامة رحمة الله عليه في بعض كتبه كل قواعد ولعله في المختلفة عنده إشارة إلى هذا المعنى.
الفرع الثالث هو نفس الفرع الثاني أي الصورة الثالثة ولكن مع إضافة شرط وهو أن المجاهد غلبت على ظنه السلامة فالمشهور قالوا نفس الرأي قالوا في الصورة الثانية أنه يجوز له الفرار فهو مخير بين الثبات والفرار ولكن جمع من الفقهاء في هذه الصورة صرحوا باستحباب الثبات ومالوا إلى هذا الرأي صاحب الجواهر رحمة الله عليه واستشهد بموقف أصحاب الامام الحسين (ع) وهذا نص كلام صاحب الجواهر يقول والقول بالاستحباب هو الأشبه بأصول المذهب وقواعده فإن الجهاد حسب الكتاب والسنة أمر مرغوب والله وعد المجاهدين بالنصر فأقل مراتبه هو الرجحان والاستحباب وسيد الشهداء (ع) وأصحابه في يوم عاشوراء كانوا عاملين بهذا الاستحباب.
بناءً على هذا يحتمل في استجازة الامام لهم في الذهاب وترك الجهاد وجهان:
الوجه الأول: ما ذكره ومال إليه صاحب الجواهر من أنه كان لهم يستحب لهم الثبات والمستحب جائز الترك والامام أذن لهم ترك المستحب وكما ذكرنا في الصورة الثانية والصورة الثالثة المشهور يقولون جواز الزحف وجواز القتال.
الوجه الثاني: أن خطاب الامام لأهل بيته وأصحابه كان في مقام اختبارهم وترقي وتزكية نفوسهم إلى أعلی مرتبة من الإخلاص وعندما اختبرهم وفازوا ومسح على وجوههم ورأوا مقاماتهم في الجنة.
اذا بناء على هذا الوجه الثاني كان واجب عليهم الثبات لأن الجهاد جهاد دفاعي دفاع عن الشريعة والإسلام لأن الامام يمثل حقيقة الإسلام والدفاع عنه دفاع عن الإسلام ولكن هذا الاستيذان وهذه الاستجابة من الامام كان مجرد اختبار وبيان درجة الإخلاص فيهم اذا نخالف صاحب الجواهر في تفسيره في المقام وهذا أرجح من الوجه الأول لجلالة قدرهم وشأنهم يقتضي أن نفسر كلام الامام بهذا التفسير .
بسم الله الرحمن الرحيم
ذكرنا في البحث السابق أن حل البيعة عن أهل البيت (ع) وأصحاب الامام (ع) هل كان في مقام ترك المستحب أم في مقام تزكية نفوسهم وارتفاع درجة الإخلاص عندهم ذكرنا أن الفقهاء شيعة وسنة التزموا بحرمة الفرار من الجهاد وباب الجهاد من بين الأبواب الفقهية يعد من الأبواب أقل اختلافاً بين الشيعة والسنة وذكروا أربعة صور لمسألة الفرار من الجهاد.
الصورة الأولى: أن يكون عدد الكفار ضعف من عدد المسلمين أو أقل فحكموا بحرمة الفرار وقيل بجواز
الصورة الثانية: أن العدد كان أكثر من ضعف المسلمين قالوا بأجمعهم بجواز الفرار وعدم وجوب الثبات ولكن نحن خالفناهم في نقطة وهي أن رجحان الثبات والجهاد مسلم فلا أقل ينبغي القول بالاستحباب ولكن تتبعنا في مصادرنا لم يصرح أحد من الفقهاء بالاستحباب في هذه الصورة الثانية إنما صرح بعضهم والبعض الآخر صرح بجواز الفرار.
الصورة الثالثة: كل الصورة الثانية من حيث العدد ولكن ظن المقاتل المسلم الغلبة في هذه الصورة صرحوا بالاستحباب الثبات لتقوية شوكة المسلمين ولإطلاق وعموم أدلة الجهاد المقتضي لاستحباب الثبات ونفس هذا البيان نحن نظيفة إلى الصورة الثانية وإن لم يصرحوا به .
الصورة الرابعة: نظيفها إلى الصور الثلاثة أن مع كثرة عدد الكفار ظن المقاتل المسلم بالعطب وأنه مقهور هنا اختلف الفقهاء من حيث الثبات والزحف والفرار لعله يقال المشهور أنه قالوا بوجوب الانصراف وترك الجهاد وقيل باستحباب الجهاد ورجح هذا القول صاحب الجواهر وجمع من المتأخرين وهو الأصح لأن الرجحان والجهاد لا يسقط بوجه من الوجوه وبناء على هذا إما نطبق الصورة الثالثة على أصحاب الامام الحسين (ع) إما أن نطبق الصورة الرابعة وإما نطبق الصورة الثانية وهي كان عدد الكفار أكثر من عدد المسلمين والمشهور قالوا عدم الثبات ونحن أضفنا إليها استحباب الثبات اذا سواء كان تخريج الفقهي لموقفهم هو الصورة الثانية أم الثالثة أم الرابعة فإن استحباب الثبات ثابت في هذه الصورة دون الأولى التي يحرم الفرار والزحف والامام حل البيعة عنهم لأنه كان عالم باستحباب الثبات ولكنهم اختاروا الثبات شوقاً وعشقاً إلى الشهادة والدرجات العليا في الآخرة وإما بناء على الوجه الآخر الذي ذكرناه بأن جهادهم كان دفاعياً وكان واجباً وفي الجهاد الدفاعي لا يوجد مصداق للجهاد المستحب إلا اذا كان متعلق الجهاد أمر استحبابي فأنه واجب على كل حال ولا يسقط إلا بالعجز ولذلك سقط على النساء في يوم عاشوراء لعدم قدرتهن على القتال ولكن لم يسقط على النساء من جانب الإعلامي والتبليغي فدور أهل البيت بالإعلام والتبليغ كان دوراً متميزاً جداً وكان أداء للجهاد الدفاعي عن الشريعة فحل البيعة عنهم يكون من باب الحجة وتزكية نفوسهم هذا حاصل ما قدمناه من البحث السابق مع توضيح زائد.
السؤال السابع الذي يطرح هنا حول جهاد الامام (ع) هو المشهور بين أرباب المقاتل أن جميع المقاتلين مع الامام (ع) في المبارزة والبراز استأذنوا من الامام (ع) ولم يخرج أحدهم إلى الحرب إلا بالإجازة من الامام (ع) ما هو موجه هذه الإجازة فقهياً مع أنه قد يقال في عبارة أخرى بأن الجهاد اذا كان واجباً عليهم كما نحن قوينا ذلك في ما سبق من البحوث فإن الواجب لا يحتاج في مقام الامتثال إلى الإذن واذا كان مستحباً كما يظهر من كلمات صاحب الجواهر فأيضاً امتثال الاستحباب لا يحتاج إلى الإذن فلماذا استأذنوا الامام (ع) ؟
ينبغي أن نطرح هذه المسألة وندرسها في باب الجهاد أن في باب الجهاد ينبغي على المقاتلين وجوب أو استحباب أو غير ذلك الاستئذان من الامام وقائد الجهاد في مقام المبارزة أو لا حتى نكشف الموقف الشرعي والتخريج الفقهي في قضية عاشوراء في المسألة قولان:
القول الأول: حسب التتبع والتحقيق في كلمات الأصحاب هو قول المشهور بكراهة المبارزة للمقاتل من دون إذن الامام وقد صرح بهذا الحكم الشهيد الثاني في اللمعة الشهيد الأول في الدروس المقدس الأردبيلي في مجمع الفائدة المحقق الثاني في جامع المقاصد ومحكية عن الشيخ الطوسي في المبسوط والعلامة في القواعد والتحرير والمختلف ويظهر من كلماتهم أنه لا بد من الدقة في المسألة ونرى رأي الفقهاء في المسألة ما هو يظهر من كلماتهم أن موضوع الكراهة هو المبارزة أي الابتداء بالمبارزة لا استجاب طلب المبارزة من العدو فلو برز العدو وطلب المبارزة فيجب على كل مسلم اذا كان قادراً على البراز أن يستجيب وهذا لا يحتاج إلى اذن الامام أما اذا يريد يطالب هو البراز فينبغي أن يستأذن الامام والمشهور استدلوا بوجوه.
الأول: ما رواه ابن القداح عن أبي عبد الله (ع) قال دعا رجل بني هاشم إلى البراز فأبی أن يبارزه فقال له أميرالمؤمنين (ع) ما منعك أن تبارزه فقال كان فارس العرب وخشيت أن يغلبني فقال أميرالمؤمنين (ع) فأنه بغى عليك ولو بارزته لغلبته ولو بغى جبل على جبل لهد الباغي.
وقال أبو عبد الله (ع) إن الحسين ابن علي (ع) دعا رجلاً إلى المبارزة فعلم به أميرالمؤمنين (ع) فقال لئن عدت إلی مثل هذا لأعاقبنك ولأن دعاك أحد مثلها فلم تجبه لأعاقبنك أما علمت أنه بغي . التهذيب الجزء 6/ 169.
فان المشهور حملوها على الکراهة وأن الحسين (ع) لا يبادر إلى شيء حرام ومقصود أميرالمؤمنين من المعاقبة ليس هو العقاب الأخروي الملازم للحرام وإنما المراد المعاقبة الدنيوية مثلاً.
ولكن الرواية دلالة والسند محل تأمل أما الدلالة لو أخذنا بظاهرها فهي تدل على القول بالحرمة وإن كان ظهورها في الحرمة ينافي عصمة الامام الحسين (ع) ولو سلمنا بهذا الظهور فأنه لا يدل على جواز المبارزة بإذن الامام ورفع الحرمة على قول ورفع الکراهة على قول المشهور بإذن الامام لإن لم يذكر في الرواية شيء باسم الامام فيه أجنبية عن مقام الاستدلال وإما من حيث السند فقد وقع في سندها جعفر بن محمد بن عبيد الله الأشعر وحسب التحقيق في كتب الرجال أنه رجل مجهول حتى المدح لم يرد فيه اذا هذا الوجه الأول بالنسبة إلى قول المشهور ضعيف بالنسبة إلى القول بالحرمة أيضاً ضعيف.
الوجه الثاني: ما ورد في نهج البلاغة بالنسبة إلى أميرالمؤمنين (ع) قال لابنه الحسن لا تدعو إلى مبارزة وإن دعيت إليها فأجب فإن الداعي باغٍ والباغي مصروع.
هذا الكلام من الامام أيضاً لا یدل على كراهة المبارزة بدون الاستئذان أو حرمة المبارزة من دون الاستئذان ما رواه عمرو بن جميع عن أبي عبد الله (ع) سؤاله عن المبارزة بين الصفين بغير إذن الامام (ع) فقال لا بأس ولكن لا يطلب إلا بإذن الامام و الرواية موجودة في الكافي ج5 ص 34.
هذه الرواية من حيث الدلالة واضحة فإن الامام في صدرها قال لابأس وفي ذيلها قال لا يطلب إلا بإذن الامام والجمع بين النفي والبأس والنهي عن الطلب يقتضي حمل النهي على الكراهة فيثبت قول المشهور ولكن الرواية من حيث السند ضعيفة لأن عمر بن جميع ورد في ترجمته رجلاً أبتر غير ثقة يعني فاسد العقيدة وفاسد السيرة مع أن الرواية من حيث الدلالة صريحة لكن لا يطلب إلا من إذن الامام الشيخ الطوسي عنده تفسير خاص لهذه الرواية قال هذه الرواية ظاهرة بالحرمة وليس ظاهرة في الكراهه لأن الرواية تتكلم عن موضعين:
الموضوع الأول: المبارزة حين القتال واشتعال نار الحرب هنا الامام قال لابأس والموضوع الثاني هو المبارزة على الانفراد في هذا الموضوع الامام قال لا يطلب إلا بإذن الامام وقد وافق الشيخ الطوسي على هذا التفسير وأن الأقوى في حرمة البراز ابن ادريس مع أن ديدنه مخالفة جداً ولكن في هذه المسالة وافق الشيخ وأيضاً جمع من الفقهاء أخذوا بهذا التفسير للشيخ وقالوا بحرمة المبارزة الابتدائية وأنها مشروطة بإذن الامام منهم أبو صلاح في الكافي فقال لا يجوز للمسلم أن يستبرز كافر إلا بسلطان الجهاد.
من الموافقين لهذا الرأي الثاني العلامة في المنتهى يقول وهل طلبوا المبارزة من دون إذنه حرام أو مكروه كلاهما يلوحان من كلام الشيخ الطوسي والذي تدل عليه أخبار التحريم.
وقال المحقق الكركي في جامع المقاصد الأصح الكراهة ويحرم طلبها لورود النهي عنه وأنه بغي ولكن ظاهر الكراهة في غير صورة الطلب، ومن القائلين بهذه المسألة صاحب الرياض الذي وضح المسألة أكثر قال في رياض المسائل يدل الرجحان الاستئذان مضافاً إلى النص والوفاق الاعتبار والآثار لأن الامامة أعلم بفرسانه وفرسان المشركين ومن يصلح للمبارزة ومن لا يصلح وربما حصل ضرر بذلك فينبغي أن يفوض النظر إليه ليكون أقرب إلى الظفر وأحفظ لقلوب المسلمين ولكن هذا الكلام يدل على كراهة من دون الاستئذان لا يدل على الحرمة ولحكمة التي ذكرها لا تصل إلى حد المفسدة الموجبة للحرمة.
العامة في المنتهى أيضاً عدة استدلال أنه قال ويؤيده ما رواه الجمهور من أن علي وحمزة وعبيدة استأذنوا النبي يوم بدر ولكن هذا الكلام لا يدل على أنه حرام غاية الأمر يدل على الکراهة من دون الاستئذان أو الاستحباب مع الاستئذان وحسب التتبع لم نجد دليلاً محكماً على حرمة المبارزة من دون الاستئذان من الامام وحتى دليلاً محكماً على الکراهة وإن كانت الکراهة مشهورة عند الفقهاء وتؤيدها سيرة أميرالمؤمنين وأصحاب النبي وأصحاب أميرالمؤمنين وأصحاب الامام الحسين (ع) فيمكن القول الکراهة من خلال هذه السيرة أما إثبات الحرمة مشكل ولذا يمكن أن يقال أن المبارزة الابتدائية تنقسم بتبع الأقسام الخمسة للأحكام:
القسم الأول: الواجبة وهي التي طلبها الامام من المقاتلين وعينها فيه أو أنه مثل النبي (صلى الله عليه وآله) في قضية خندق وجه الخطاب إلى جميع المسلمين فأنها واجبة كفائية:
القسم الثاني: المستحبة وهي أن يكون بإذن الامام (ع) من دون أن الامام يطلب من أحد المبارزة.
القسم الثالث: الحرمة وهي التي منعها الامام عن عموم المقاتلين لأنه قد يرى المصلحة عدم المبارزة ويرى المصلحة القتال الجمعي.
القسم الرابع: الکراهة وهي المبارزة من دون إذن الامام.
وقيل بالقسم الخامس: في بعض الكلمات كما صرح به العلامة في المنتهى وهي المبارزة المباحة ولا يخفى أن الإباحة تثبت اذا نفينا الکراهة ومن هنا يتبين أن استئذان أصحاب الامام (ع) في البراز إما كان على القول بالحرمة واجب وإما على القول الکراهة راجح وبمنزلة المستحب على قول المشهور وإما تأدباً واحتراماً للامام (ع) ولكن الأقوى أن يكون واجباً لأن المقام كان مقام الجهاد الدفاعي وكان ينبغي للامام وأصحابه أن يدافعوا عن أنفسهم وأهل بيتهم بأحسن وجه من الدفاع والمبارزة هي من معايير الدفاع فكان ينبغي أن يتبعون المعصوم في أساليب الدفاع وعلى هذا كان واجب عليهم الاستئذان ولو تنزلنا على الوجوب فعلی أقل تقدير يثبت الاستحباب.